د.علي المؤمن ||
يتعرض تاريخنا المعاصر، وخاصة وقائع ما بعد العام 1979، الى أبشع ألوان التشويه والحرف والتزوير، بسبب قدرة ماكنات التسقيط الداخلية والخارجية العملاقة، والتي تتفوق ــ بما لايمكن قياسه ــ على قدرة مؤرخ أو راوٍ أو باحث على توثيق الأحداث وتحليلها بواقعية، والمحافظة على مساراتها ومفاصلها وتفاصيلها.
والأنكى من ذلك؛ إن الواقع العراقي والإقليمي والشيعي، سواء في عهد صدام والمعارضة العراقية، أو في عهد ما بعد العام 2003؛ لايتحمل من الباحث قول الحقيقة وتحليلها بواقعية وعرضها بشفافية بالأسماء والتفاصيل؛ لأن في ذلك محاذير كثيرة تتعلق بالمصلحة العليا أحياناً، وبمصير الباحث أحياناً أخرى، وبمصير نتاجاته ثالثة، وهي عوامل لاتنفع معها شجاعة ولاجرأة ولاتضحية.
هذا الواقع المرير؛ لا نزال نعيشه بكل تفاصيله منذ أربعة عقود وحتى اللحظة؛ ففي كل كتاباتي، وخاصة التاريخية، كانت تواجهني هذه العناصر الضاغظة، وتجعلني أحجم عن ذكر كثير من الأسماء والأحداث؛ مراعاةً للمصلحة العامة، ولكن دون التضحية بالأمانة التاريخية طبعاً؛ بل لاتزال هذه العناصر تمنعني من نشر كتاب كلّفني أربع سنوات من عمري، هو "سنوات الرماد"، ثم كتاب "رزية 2014"؛ لأن فيهما من المعلومات والرؤى والتحليلات؛ ما أعتبر الكشف عنها وتبنيها من قبلي؛ مضراً في المرحلة الحاضرة.
ولا يقتصر الأمر على جزئية نشر الحقائق؛ بل يتعداها الى جزئيات أخرى، أهمها التوثيق الفني للأحداث، وهو أمر مقدور عليه عملياً، لكنه لم يتحقق حتى الآن؛ بسبب عدم شعور كثير من المتصدين وقادة الحركات الإسلامية وأصحاب رؤوس الأموال العراقيين الشيعة؛ بأهمية توثيق المرحلة درامياً وسينمائياً، وهو التوثيق الأقرب الى البقاء والى مزاج الناس وعقولهم، وهو ما تنبّه إليه الإيرانيون منذ العام 1980؛ إذ انتجوا آلاف الأفلام والمسلسلات التي توثق لثورتهم الإسلامية والحرب والشأن السياسي الداخلي والتحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه البلاد والشعب، ولم يكتفوا بذلك؛ بل عكفوا على إعادة كتابة التاريخ الديني والإسلامي، وعرضه سينمائياً بأساليب مذهلة.
وكتجربة شخصية؛ فقد حاولت منذ سنين طويلة، تحويل رواية "عروس الفرات" الى فيلم سينمائي ومسلسل درامي، حتى قبل طباعتها ورقياً؛ لقناعتي بأن هذه الرواية تختصر وحشية النظام السابق وما تعرض له الشعب العراقي وحركته الإسلامية، ومقاومتهما ضد النظام، وهو عمل فني سيكون أمام أنظار الجيل الذي لم يعش تلك المرحلة، وأمام انظار الأجيال القادمة، إلّا أنني لم أجد شخصاً يتبنى المشروع؛ بل واجهني بعضهم بكلمات مؤلمة؛ رغم قدرتهم المالية واللوجستية والمعنوية على إنتاج مائة فيلم ومسلسل، وليس مسلسلاً واحداً. وهذا يعني بوضوح أن المشلكة ليست في المال والتمويل؛ بل في فهم أهمية التدوين والدراما والسينما في حفظ الحقائق والتاريخ.
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha