محمد الكعبي ||
عالم السياسة عجيب و مليء بالمفاجئات والاسرار والمتغيرات، وليس له قانون أو ضابطة تحكمه، وليس له حدود يقف عندها، لذا تباينت وتكاثرت تعاريفه، وكثير من الاقوال تحدثت عنه وعرفته وكتبت عنه، لكنها قاصرة عن كنه معرفته، ففي كل ساعة هناك متغير ومتحرك وتبدل، ملفات تتقدم مرة وتتأخر اخرى بحسب الاولويات، حرب وتصالح، سباب وقبلات، تصافح وتصارع، لاعدو ثابت ولا صديق دائم، وهذا هو حال الدنيا، متغيرة، لأن الانسان يتغير، وبتغيره يؤثر في محيطه من خلال تعاطيه مع الاحداث، والخاسر الاكبر هي الشعوب، واليوم أريد ان اسلط الضوء على جانب مهم، وكثيرا ما يغفل عنه الناس، ولايدركه الاغلب، وهو باختصار: قد تعيش الامم صراعا وحربا أو نزاعا بين احزاب أو تيارات أو دول، فيموت الف من البشر، وتشرد الملايين، فضلا عن الخسائر المادية والمعنوية، وعند التدقيق والتحري وامعان النظر في دواعيها وابعادها، سننصدم بما تخفيه من اسرار، ونكتشف أن كل ما كان لم يكن هو المقصود بعينه، بل هناك غايات ورسائل تقف خلفها لم يعلن عنها، من قبيل تسويف أو تسويق فكرة، أو شخص، أو لتمرير مشروع، أو ابعاث رسائل للاخرين، أو تقاسم نفوذ، فتقع الشعوب والبلدان ضحية هذا العمل، وهذا الاسلوب ناجح في اغلب الاحايين، وقد شهد التاريخ الكثير من هذه العمليات الشيطانية، وبمرور الزمن، أو متابعة الاحداث والتعمق في بواطنها، يكتشف الانسان الحاذق تلك الخفايا، فتتضح امامه اغلب الامور، التي قد غفل عنها الكثير من الناس، لأنهم كانوا منشغلين بالحروب والأزمات المفتعلة، أو بمتابعة مطرب شعبي، أو حفل راقص، أو ملتقى جماهيري، أو بطولة رياضية، وهذا سَهَلَ مهمة القادة السياسيين الذين يسعون لتوسيع نفوذهم وسلطتهم، وتمرير مشاريعهم من خلال تسويقها بعيدا عن اذهان الناس، وجعل جل اهتمامات المجتمع بما يطرحه الحاكم، وأن كان فيه هلاكهم، بل ان الكثير من عمليات الاغتيال والانعزال السياسي، ليس لها واقع، انما مجرد اعلام لكسب تعاطف الجماهير، أو لتمرير قضية ما، أو لتغطية على أمر معين، أو للحصول على مكاسب، وعندما تنتبه الامة - ولكن غالبا بعد فوات الاوان - تجد نفسها، قد فقدت الكثير من المكاسب، بل تم بيعها في سوق النخاسة والمصالح الدنيئة، بينما هي كانت منشغلة بتوافه الامور، وسرعان ما تقوم الحكومات بادخال الشعوب في قضية جديدة، واشغال الجماهير بمسالة كبيرة، لتبقى الجماهير في دوامة لاتخرج منها .
قد يستخدم الفاعل السياسي كل شيء، ويضحي بالكثير لتمرير مشروعه الخاص، فيمتطي الدين والقومية والوطنية ويرفع الشعرات الجذابة التي تناغم مشاعر العامة، لتمرير مشاريعه، كما يحدث اليوم في اغلب دول العالم، وكثير من العناوين المرفوعة من قبيل الديمقراطية ومحاربة الارهاب، تقف خلفها الكثير من المقاصد والغايات التي لا تمت للأهداف المعلنة بصلة.
اننا بحاجة إلى قيادة واعية حكيمة رشيدة وطنية مختلفة في تفكيرها وتعاطيها مع الاحداث، لا تتقزم لجهة أو حزب بل للجميع، تحمل روح الابوة وتنظر بكلتا عينيها، لتستطيع تعديل المسار وارجاع البلد إلى مكانه الطبيعي، وهذا يحتاج إلى الشجاعة والقوة وامتلاك القرار، وعدم الخضوع للإملاءات والضغوط، وان تكون حرة نزيهة وكفؤة وشفافة ومتميزة في ادارة الازمات، وتكون استثنائية في كل شيء، وان لا تنجر خلف الاخرين وتترك الاصطفاف والمحاور، وتعمل على بناء الانسان والبلد، وتعيد ثقة المواطن بقيادته وتكشف الخفايا والمشاريع التي تحاك بمواطنيها، وأن لا تكون عاملا مساعدا لتدمير البلد بسبب خيانتها أو ضعفها أو جهلها، وعلى الشعوب والنخب ان تعيد النظر بالكثير من القناعات والمواقف والشخصيات، وتحاكم المنجزات، وتفكر ببصيرة بعيدا عن العاطفة والاهواء والتبعية والتعصب، والا نفس الكرة تعاد كل مرة .
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha