عباس سرحان ||
لا تملك رغد صدام قدرات استثنائية، فلاهي سياسية ولا مفكّرة بارعة ولا تملك صفات تجعلها مميزة عن سواها من النساء العابرات اللواتي نراهنّ في الأسواق يبعن الخضار أو طين الخاوة والحبة السودة، أو نصادفهن في حافلات نقل الركاب والأماكن العامة، ويمكن أن نجد مثلها كثيرات كبائعات في محلات الكوزمتيك وأماكن أخرى.
وإذا توقعنا لها حالا مختلفا، فهي أقرب ما تكون إلى أرملة متواضعة الأداء تواجه مشاكل في ضبط سلوك أبنائها الايتام من البنين والبنات.
عدا عن ذلك تعاني رغد من معضلة أخلاقية تكمن في صعوبة انتشال أبيها المتورط بمقتل زوجها وأخوته، فهي تواجه صعوبة في إقناع أبنائها بسلامة موقف جدهم "صدام" من قضية مقتل أبيهم وأعمامهم عام 1996 في السيدية في العاصمة بغداد.
فأبوها كان الآمر الناهي طوال فترة حكمه ولم يجرؤ وزراؤه وقادته على مخالفته حتى في طريقة احتساء الشاي أمامه في الاجتماعات الخاصة، فكيف يمكن لعلي حسن المجيد أن يقتل صهره دون أمر منه؟!.
الحقيقة أن هذه الأرملة تعيش تحت كم كبير من المشاكل والعقد ومتورطة بتفاصيل من ماض أسود وحاضر مزدحم بالتحديات، وتنطوي نفسها على بقايا حرائق موروثة تجعلها غير مستقرة نفسيا وإن حاولت إظهار قدر من الهدوء في ظهورها الاعلامي مدفوع الثمن على بعض القنوات الفضائية.
لكنّ ما يميز رغد هو أنها ابنة صدام حسين، هذا النسب الذي تريده هي فخرا، ويراه كل الأسوياء في العراق والعالم بأنه لعنة ما بعدها لعنة.
فهذا الرجل الدموي قتل من العراقيين الملايين في تصفيات داخلية وحروب خارجية ودمرّ البنية التحتية في كافة المجالات لبلاد تمتلك أقوى عوامل النمو والازدهار، فحولها الى بلاد ضعيفة مستباحة لا تملك قرارها ولا ثرواتها وليس لها هيبة بين البلدان.
فلو كانت رغد امرأة سوية لما تباهت بهذا التاريخ المليء بالدم والخراب والقرارات الجائرة التي تنافي قيم السماوات والأرضين ولما حاولت أن تصنع منه مجدا تتغنى به وتريد له أن يكون جسرا يمكّنها من رقاب العراقيين.
ويُفترض أنها تدرك أن العراقيين واعون ولم ينسوا جرائم أبيها ونظامه بحقهم ولا يتمنون رجوع مثل هذا النظام ولا يحنون إليه من فرط ما لاقوه منه من كوارث.
لا ندري إلى أين تريد وهي تسوّق نفسها المنقذ لشعب العراق مما تسميه "الاحتلال، والعوز والفقر والاحزاب غير الوطنية" وصارت تكرر من وصف نظام أبيها بأنه "حكم وطني" وتعلن للعراقيين بأنها بصدد التمهيد لإعادة "الحكم الوطني".
وباتت تروج لأفكارها هذه وربما دعمتها جهة هنا أو دائرة مخابراتية هناك، ولعلها وجدت مناصرين من أيتام صدام في داخل العراق.
لكنها تناست المتغيرات التي طرأت في العالم والمنطقة وقبل ذلك العراق، اذ لم يعد ممكنا إحداث انقلاب في بلد فيه قوى وطنية واعية ومتهيئة لحماية الدولة والنظام السياسي الديمقراطي، ودستور العراق يحرّم الانقلابات العسكرية ولا يعترف بها وسيلة لتغيير النظام.
كما وقد فات هذه الأرملة المفجوعة بزوجها وأبيها أن الفقر والحرمان والاحتلال هي من نتائج حكم أبيها، فالعراقيون الذين جاءوا بعد صدام لم يرثوا من حكمه ناطحات سحاب عملاقة ولا طرق حديثة ولم يجدوا شبكات للأنفاق والمترو والجسور المعلقة.
كلما وجدوه سجون ومقابر جماعية وأحواض تيزاب لإذابة اجساد المعارضين وجيوش من الارامل واليتامى الجائعين وديون طائلة تحاصر العراق، وشبكات طرق وكهرباء وصرف صحي مدمرة ومتهالكة، وعلاقات متوترة مع جميع دول العالم.
فما هي الأمجاد التي تباهي بها رغد وعن أي حكم وطني تتحدث، وما هي منجزات أبيها في العراق غير الحروب والاعدامات وخنق الحريات.
يتعين على الحكومة العراقية ان تفعّل من اجراءاتها الدبلوماسية لاستعادة رغد صدام باعتبارها احد المطلوبين للقضاء العراقي ليس على اساس انها ابنة صدام الحاكم المستبد، بل على اساس انها من المشاركين في جريمة سبايكر والمحرضين على العنف في العراق.
حيث أكدت اعترافات المتورطين في تلك الجريمة انهم تلقوا اوامر من "السيدة" بتصفية نحو ثلاثة آلاف طالب شيعي أعزل من السلاح.
ولاشك أن تدخلها في شؤون العراق وتحريضها على العنف وظهورها الاعلامي ذي الطابع السياسي يخالف ما اشترطته حكومة الاردن على نفسها حين آوتها، وتكفلت بمنعها من ممارسة نشاط سياسي، وتفهم العراق ذلك في حينه.
فهل الحكومة الاردنية بحاجة الى التذكير بإجراءات عراقية رادعة وسريعة وخصوصا ذات طابع اقتصادي حتى يلتزم الاردن بما تعهد به أم أن حركة رغد الارملة تأتي منسجمة مع رغبات اردنية لاستثمار وجودها في الاردن؟
هذا ما يجب على الحكومة العراقية معرفته، وأكثر من هذا فإن مصير رغد لن يكون بأفضل من مصير علي رضا بهلوي ابن شاه إيران المخلوع، الذي انتحر كئيبا في أمريكا بعد سنوات طويلة في المنفى.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha