عباس سرحان ||
دعونا ننير قليلا حول دوافع الولايات المتحدة وراء التدخلات العسكرية في عدة مناطق من العالم، وخصوصا العربية منها.
ففي 2011 وتعقيبا على الازمة الليبية، قال الرئيس الامريكي دونالد ترامب "أنا أهتم بليبيا فقط إذا أخذنا النفط، وإذا لم نأخذ النفط، فأنا لست مهتما بالتدخل فيها".
وبعد سنوات من إطاحة حلف الناتو بالرئيس الليبي معمر القذافي، وتحديدا في 2018 قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية، مصطفى صنع الله "إن خسائر قطاع النفط في ليبيا بسبب التهريب والسرقة بلغت 750 مليون دولار سنويا". الرقم قابل للزيادة بالتأكيد!
بينما أكد المستشار النفطي الليبي، عبد الجليل المعيوف، أن" عمليات سرقة النفط الليبي علنية وعبر ميليشيات وشبكات يديرها نحو 500 شخص مرتبطين بالغرب وأمريكا".
فكأن أمريكا وحلفاءها باتوا فعلا يقطفون نتائج تدخلهم في ليبيا، ملايين الدولارات من النفط الليبي الذي يديرون شبكات تهريبه خارج سيطرة الحكومة الليبية الضعيفة.
أما عن فلسفة التواجد العسكري الامريكي في سوريا، فعلق ترامب يوما أن" الهدف من بقاء القوات الأميركية في شمال شرق سوريا هو "حصول الولايات المتحدة على المال".
هكذا ببساطة كشف الرجل عن بعض الدوافع الحقيقية للتدخل الامريكي في سوريا، فلا حقوق انسان ولا ديمقراطية سياسية ولا هم يحزنون، إنما الاستحواذ على الثروات السورية هو ابرز اهداف هذا التدخل.
ولم يعد النهب الامريكي لثروات سوريا خافيا، ففي سبتمبر/ أيلول الماضي 2022أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، أن القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا "تسرق ما يصل إلى 66 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل 82% من إجمالي إنتاج النفط السوري".
بهكذا أفعال دشنت الولايات المتحدة بشكل واضح وعلني مرحلة جديدة من "العلاقات الدولية" فبعد أن كانت تثير الحروب لتحريك معامل انتاج الاسلحة لديها ولدى الغرب عموما، صارت تستخدم الحروب للنهب المباشر لثروات الشعوب بعد تفكيك الدول واستضعافها.
ولاشك أن الرئيس الامريكي السابق هو من أسس لهذه المرحلة الاخيرة، فقد كشف صراحة وأمام وسائل الاعلام عن الكثير من الندم حيال موقف حكومة بلاده في العراق، بعد 2003 لكونها لم تستول على النفط العراقي.
وتناولت صحف امريكية هذا الموقف الغريب، ومما قاله الكاتب، إشان ثارور وهو متخصص في الكتابة عن العلاقات الخارجية في صحيفة الواشنطن بوست في مقال له " إن مشكلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نزعته التجارية التي تبرر قوة السلاح لانتهاك سيادة دولة أضعف ونهب مواردها".
لكن ما فات الكاتب ثارور، أن تصريحات الرئيس الامريكي السابق ترامب ومواقفه هذه لم تكن لتعبر عن موقف شخصي بل هي قناعات معظم صانعي القرار المتحكمين بالسياسة الامريكية.
فنفط العراق وسوريا وليبيا ما زال يهرب ويسرق لصالح امريكا على الرغم من مغادرة ترامب السلطة في بلده، وتوقف البحرية الايرانية من وقت لآخر سفنا محملة بالنفط العراقي المهرب في مضيق هرمز.
لكن يبدو أن عملية التهريب هذه تدار بشكل متقن وتمتنع الجهات التي تملك معلوماتها عن اثارة هذا الموضوع اعلاميا خشية العواقب الخطيرة.
وهناك اصرار امريكي على مد انبوب لنقل النفط من جنوب العراق الى ميناء العقبة الاردني على الرغم من وجود اعتراضات عراقية رسمية وغير رسمية، وعلينا ان نضع أكثر من علامة استفهام على الموقف الامريكي المصر على مد هذا الانبوب.
هذا عدا عن كون مبيعات النفط العراقي تودع في الحساب الفدرالي الامريكي ولا يحق للعراق الا الحصول على مقدار منها لتمشية التزامات الحكومة المالية من رواتب وما شاكل.
أما المدخرات فهي في البنوك الامريكية فكأنما استولت عليها امريكا فعلا متى ارادات وهي تشتغل ايضا في بنوكها وتدعم نشاطها الاقتصادي.
وقد حاول رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، سحب الودائع العراقية من البنوك الامريكية. لكنه قوبل بتهديد امريكي مبطن من أن هذا الفعل سيجعل الاموال العراقية تحت رحمة آلاف طلبات التعويض المعلقة.
وبالعودة الى موضوع السودان فما يجري فيه ليس بعيدا عن الاطماع الامريكية بالثروات العربية، إذ أن المعارك الدائرة الان كلها من أجل ان تستولي امريكا على الذهب السوداني وتطرد الشركات الروسية العاملة هناك والتي تشارك في عمليات تنقيب وتهريب الذهب بكميات كبيرة.
في تموز 2022 نشرت شبكة سي أن أن الامريكية تقريرا اتهم روسيا بسرقة الذهب السوداني، والمثير للريبة أن التقرير لقي صدى وتفاعلا داخل السودان، وانطلقت دعوات للتظاهر ضد الوجود الروسي في هذا البلد.
حكاية التعدين في السودان فيها الكثير من التفاصيل. لكن خاتمتها المختصرة تؤكد أن معظم ما يتم استخراجه من الذهب يتم تهريبه الى خارج البلاد عبر مطارات غير رسمية ولايدخل خزينة البلاد.
اللواء محمد حمدان دقلو قائد قوات التدخل السريع "الجنجويد سابقا" متهم لوحده بالاستحواذ على نحو 14 مليار دولار من التجارة غير المشروعة للذهب.
هذا الرجل صنعه رئيس السودان السابق عمر البشير، قبل أن ينقلب عليه ويساند الإطاحة به في 2019 وهو أحد جناحي النزاع في السودان اليوم.
لم يتضح بعد هل أن أمريكا تدعم المهرب المعروف وتسحبه الى شاطئها بعيدا عن الشواطيء الروسية لتفتح معه مرحلة جديدة من تهريب الذهب السوداني، أم أنها ستساند خصمه، عبد الفتاح البرهان، لتحقيق نفس الاهداف.
لكن ليس مستبعدا ان تستحدث امريكا تشكيلات مسلحة جديدة وغير معروفة كما فعلت في سوريا لتبييض مراميها وتحقق الهدف من تدخلها في السودان بوجوه محلية جديدة.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha