عدنان جواد ||
عادة يحتفل المعيدين بالعيد، بتبادل التهاني ولبس الملابس الجديدة، ومظاهر الزينة التي تدل على الحصول المبتغى وتحقيق الاماني والاهداف، كما يحصل في الاعياد العامة ، لكن عيد العمال وخاصة في العراق، تحول الاحتفال الى تظاهرات تطالب بالحقوق، بالقضاء على البطالة، والعدالة والمساواة في الرواتب.
نتحدث عن زمن الحصار في التسعينات، وكيف كان العامل يعمل نهاراً كاملاً وربما جزء من الليل ليوفر لقمة العيش لعائلته التي يعيلها، وكانت المعامل منتشرة في اغلب المحافظات رغم الحصار، فكانت اغلب المواد الاحتياطية للسيارات يتم تحوريها في الاحياء الصناعية في شيخ عمر وغيرها، واغلب الحاجيات المنزلية يتم صناعتها في معامل اهلية، تلك المعامل كانت تستوعب كل من يستطيع العمل، ورغم الحروب والقصف الامريكي ، وعجز الدولة بقطاعها العام من توفير الحياة الكريمة للموظف، فكانت تلك المعامل عامرة بإنتاجها وعمالها، عكس الموظف الحكومي الذي كان راتب العامل والذي حول اسمه رئيس النظام السابق الى موظف ، ومن المضحك ان هذا التغيير فقط بالاسم فلم يطرأ اي تغيير في الرواتب، فاغلب الموظفين كانوا يعملون اعمال اخرى لان الراتب لا يكفي لنصف الشهر على اعلى تقدير، ومن تلك الفترة انتشرت الرشوة والغش في دوائر الدولة.
وبعد 2003 اصبح التوظيف في القطاع الحكومي بضاعة للأحزاب السياسية للفوز في الانتخابات البرلمانية، فيتم قطع الوعود بالتعيين في وزارات الدولة بعد الفوز، ويتم رفع الرواتب حسب رغبة الوزير وزعيم الكتلة السياسية، والاقتصاد مشوه بين الحر والاشتراكي، والقطاع الخاص غير موجود ومهمل، واغلب من وصل السلطة تحول من رجل بسيط الى تاجر في كل شيء، وتم تعطيل اغلب المعامل الحكومية في العراق، واما المعامل الاهلية فحولها اصحابها الى مخازن تخزن فيها البضائع المستوردة من الدول المحيطة بالعراق، لان اصحاب القرار عبارة عن مقاولين لاستيراد البضائع من الدول التي تدعمهم، واي مستثمر او رجل اعمال يريد انشاء معمل اهلي يتم استهدافه وافشاله، واي وزير او مدير عام يفكر في اعادة معمل حكومي متوقف الى العمل يتم استبعاده، وحادثة معمل ابو غريب التي تكلم عنها وزير الصناعة السابق محمـد صاحب الدراجي، ومعمل صناعة السكر في الحلة الذي تم استهدافه اكبر دليل على ذلك ،
وهناك فروقات كبيرة في الرواتب بين وزارة واخرى، فتجد العامل الذي يعمل في الوزارات الخدمية، رواتبهم متدنية جداً، لا تكفي لعشرة ايام من الشهر، ومن يعمل في الوزارات التي تمول الاحزاب نفسها منها عالية جداً، ورواتب ومخصصات خيالية للدرجات الخاصة، والوزراء ونواب البرلمان والوكلاء والمدراء العاميين، وهذا الامر ولد فوارق طبقية وقضى على الطبقة الوسطى، وجعل الشباب تتجه للمخدرات والعمل بالممنوع ، بعد ان شاهدوا اقرانهم كيف تحولوا بين ليلة وضحاها الى اصحاب اموال وعقارات، بمجرد وصولهم الى السلطة، واهمال مخرجات التعليم العالي الحكومي، وزيادة الكليات الاهلية كمشاريع استثمارية حزبية التي زادت اعداد الخريجين العاطلين عن العمل، ومع الاسف بعض العمال لازال يعمل بأجور يومي رغم مرور (10) سنوات على تعيينه،
ورغم مضي(20) سنة ولحد الان المعامل متوقفة، ويتحجج اصحاب القرار بان الوضع غير مستقر، من القاعدة والحرب الاهلية وداعش، وان العراق لم يستقر طوال هذه السنوات الماضية ، وان السلطة بيد الامريكان وغيرها من المبررات، لكن الواقع يثبت غير ذلك فالمحافظات الوسطى والجنوبية كانت مستقرة، وهي من تورد اطنان النفط يومياً وتزود خزينة الدولة وموازناتها، وقاصات اصحاب القرار بالأموال، ورغم ذلك المعامل فيها متوقفة، بل وابنائها يعملون في محافظات اخرى، ويتطوعون في مختلف القوات الامنية للحصول على لقمة العيش، وان ما يؤسف له ان نسبة الشباب في العراق مرتفعة لكن اغلبهم عاطل عن العمل، وان الكبار لا يفسحون لهم المجال.
الامل اليوم معقود على حكومة السوداني في اقامة المشاريع الكبيرة، واعادة تشغيل المعامل الحكومية المعطلة، بطرد وابعاد من يعطلها ويضع العصي في دواليب الصناعة الوطنية، ودعم القطاع الخاص والاستثمار، واقرار قانون الضمان والتقاعد في القطاع الخاص، وهي الفرصة الاخيرة لهذا النظام السياسي والاحزاب في انقاذ نفسها قبل غيرها، فان الفوضى سوف تقضي على الجميع، وتشجيع رجال الاعمال في اقامة المعامل والمصانع وتشغيل العمال العراقيين بدل الاجانب، ووضع كل من يعرقل تلك المشاريع التي تنتج صناعة وطنية وتشغل عمال عراقيين في السجن مهما يكن انتمائه وولائه، والا فسيبقى العمال بدون معامل ولا عيد يتعايدون فيه.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha