رياض سعد
سيرة ناجي السويدي في العهد الملكي
كان من الدعاة الى تسليم عرش العراق للملك الحجازي الغريب فيصل ؛ وهذا الامر يكشف لنا بطبيعة الحال رفضه لاستلام الشيخ العراقي الاصيل الامير خزعل الكعبي , ، فسانده ودعا الى ولايته على عرش العراق , ورأى في الامير او الملك فيصل بن الحسين المصلح الكبير الذي سيصلح امة العرب , وفي 1921 رأس الوفد الذي استقبل الملك فيصل في البصرة ؛ وادعى البعض انه قال للملك فيصل :"انت ضمانتنا في اقامة الدولة العصرية" ... ؛ وابتسم الملك فيصل : وانتم العراقيون يدي اليمنى ... ؛ وقيل : ان الملك فيصل تعلم منه تفاصيل الدستور وعرف من خلاله مواده القانونية ؛ وقد شارك ناجي السويدي في كتابة الدستور العراقي عام 1924 وقيل عام 1925 ؛ وقال للملك المؤسس : (علينا منذ الآن ان نبني عراقا دستوريا ، الكل فيه يفكر ويعقل الحياة) ، و رد الملك فيصل عليه ؛ قائلا : ( اخي : ان الامة اعلى من اسرتي، والوطن اعلى من خصوصياتنا جميعا... ) .
ومضى ناجي السويدي في اجتهاده القانوني يبني هياكل الدولة الوليدة الهجينة ، فهنا يشرع نظاما للدبلوماسية العراقية , وهنا يضع بصمة اخرى للبرلمان او لمجلس الاعيان حتى استحق لقب : (فقيه الاكثرية) على حد تعبير ياسين الهاشمي الداغستاني ، الذي وجد فيه ليس خطيب الجميع فقط بل هو الذي ستتحد في افكاره الحرية بالمساواة، والارادة بوعي العصر الحديث ...!!
اغلب الكلمات والتي قيلت بحق ناجي السويدي والقصص التي نقلت عنه , والاطراءات التي قيلت بحقه ؛ مبالغ فيها , لأنها تنطلق من منطلقات طائفية وعنصرية وسياسية مشبوهة ومنكوسة ؛ وتندرج ضمن خانة المصالح والامتيازات المشتركة بين ابناء الفئة الهجينة ؛ ولعل المثل الشامي الشعبي ينطبق على حالهم هذه : (( مين يشهد للعروس؟ أمها وخالتها وعشرة من حارتها )) فهذا المثل يقال عادة احتجاجاً على من يحاول التحيّز لشخص مُقرَّب منه أو مَدحُه ... ؛ وان مدح الهجين الاجنبي المدعو ياسين الداغستاني الهاشمي العثماني – والمعروف بطائفيته وعنصريته – له ؛ دليل دامغ على ان الاثنين كباقي شلة الفئة الهجينة وشرذمة ورعايا الانكليز يشتركون بنفس العقد والامراض الطائفية والعنصرية والافكار والرؤى السياسية المنكوسة والمشبوهة ... ؛ فمن سابع المستحيلات ان يمتدح المجرم الاجنبي ياسين الداغستاني ناجي السويدي ان لم يكن شبيها به – (( لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم )) ؛ والمضحك في هذا الوصف ( فقيه الاكثرية ) ولا ادري ماذا يقصد بالأكثرية ؟! , فأن كان يقصد بهذا الوصف ان ناجي السويدي يشرع القوانين لكل دوائر الدولة وبمزاجه وحسب رأيه ؛ فالمفروض به يصفه بالمشرع الدكتاتور والمتفرد برأيه ... ؛ وان كان يقصد بالأكثرية الجماهيرية – أي انه يمثل المكون الاكبر والاكثر عددا – فهذا الادعاء مما تضحك له الثكلى ... ؛ وان كان يقصد الاكثرية البرلمانية فقد صدق في ذلك اذ استحوذت الفئة الهجينة على مقاليد الحكومة والبرلمان ... ؛ إن المتتبع لتاريخ العراق الحديث والمعاصر، يجد أن المتصدين للحكم فيه، جلهم من الأسر الهجينة المعروفة و ذات الاصول الاجنبية والعثمانية والغريبة ، والتي امتلكت النفوذ الاقتصادي والسياسي والتأثير الاجتماعي بسبب عدة عوامل معقدة ولعل اهمها ارتباطهم بالأجنبي ... ؛ و هذه الاسر والشخصيات ارتبط بعضهم ببعض بروابط القرابة , والمصاهرة , والمنافع والشراكات الاقتصادية والمصالح الاخرى ، والتجمعات السياسية والدينية الطائفية ؛ فشكلوا فيما بينهم نخبة سياسية حكمت العراق لعقود – ( 83 عام ) - .
و قيل انه في عام 1925 قدم لفيصل الاول ( لائحة قانون لبرلمان حر ناجح ) ؛ والدليل على عظمة لوائحه القانونية والبرلمانية ؛ المهازل الحكومية والسياسية والبرلمانية والتي عاشها العراق طيلة فترة العهد الملكي الفاشل ... ؛ فقد تم تأليف لجنة لوضع دستور للبلاد العراقية ؛ وكانت تضم السادة : يوسف غنيمة , وناجي السويدي , وساسون حضوري , والجادرجي ؛ مع مشاركة القوات البريطانية المحتلة ؛ وفعلا تم اعداد الدستور من ديباجة تتألف من 21 كلمة وتم المصادقة عليه في 20 اذار 1925 ... .
ومهما قيل بشأن الدستور العراقي وقتذاك ؛ وبأنه يحتوي على مواد وفقرات ايجابية وتصب في مصلحة الشعب العراقي ؛ الا اني اشكك في ذلك ؛ ولعدة اسباب ومن اهمها : انه كتب بمشاركة الانكليز الخبثاء ؛ بالإضافة الى ان هذه القوانين والدساتير التي كتبت في دول العالم الثالث وبإشراف وتوجيه الاستعمار ؛ مجرد حبر على ورق ليس الا ... ؛ وكانت هنالك مادة قانونية في الدستور العراقي – والذي استمر طيلة العهد الملكي – تنص على ان : (( من حق ملك العراق أن يقبل عرشا آخر بموافقة مجلس النواب )) ولم يكن المقصود من هذه المادة حق استرجاع الاراضي العراقية التاريخية و التي تنازل عنها العثمانيون – الاتراك تنازلوا وايضا قضموا بعض الاراضي العراقية وضموها لهم بالقوة - والانكليز للآخرين ؛ بل كان المقصود بهذا البند سوريا وقليل من الناس كانوا يعرفون ذلك ؛ وفيما بعد ارادوا الاندماج مع الاردن ؛ وكل هذه القوانين والاجراءات المنكوسة ؛ كان الهدف منها اجراء التغييرات الديموغرافية وتقليل نسب الاغلبية العراقية وزيادة نسبة الاجانب والغرباء والدخلاء بحجة الاسلام ( التسنن ) والعروبة ؛ بالإضافة الى نهب وسلب ثروات وخيرات الجنوب والوسط الشيعي ؛ وتقديمها للآخرين مجانا ؛ وحرمان ابناء الاغلبية العراقية منها ؛ واستمرت هذه المعادلة السياسية الغاشمة الى هذا اليوم ؛ ولا اعلم متى ينتفض الجنوبيون والفراتيون ويقطعوا الايادي الاجنبية التي تمتد لنهب وسلب ثرواتهم وخيراتهم او التي تتلاعب بمصيرهم وعراقهم ؟! .
والمتفحص لهذه النصوص يجد إنها ستبقى جوفاء ان لم نوفر لها ضمانات التطبيق ومنع السلطات العامة و الحكام والمسؤولين و الأفراد من التجاوز عليها، فقد أثبتت التجارب السابقة إن دستور العراق الأول المسمى بالقانون الأساسي العراقي 1925 تضمن هو الآخر باباً يتعلق بحقوق الشعب ... ؛ وكذلك الأمر بالنسبة لأغلب الدساتير التي صدرت في العهد الجمهوري الدموي لاسيما دساتير الأعوام 1964 -1970، إلا أن الملاحظ أنها كانت نصوصاً مكتوبة والتطبيق العملي كان بعيداً عنها بشكل غريب ، فالسلوكيات والممارسات من قبل الطبقة الحاكمة الغاشمة والطبقات الهجينة والطائفية والعنصرية المقربة أو الداعمة لها كالحزب الحاكم - مثلا -- كانت تعيث في الأرض الفساد بلا رادع حقيقي ، فكان المواطن يعاني الأمرين من تعسف باستخدام السلطة ومن استهانة بكيانه وكرامته ، بل وحتى بعقله ومصادرة لحياته أو حريته ؛ و كانت من الممارسات اليومية المعتادة وواحدة من الأسباب التي قادت إلى ذلك غياب الرقابة الحقيقية على السلطات العامة.
ولما كان من الثابت إن الشعب هو السيد الحقيقي والمالك الشرعي للسلطة وما الدستور أو القانون إلا تصور وآلية تسهل ممارسة تلك السلطة بتحديد الهيئات الحاكمة وتبين كيفية أداءها للمهام الملقاة على كاهلها نيابة عن الفرد العراقي ، لذا يفترض بالدستور وهو القانون الأسمى في البلد أن يكون المعبر الحقيقي عن إرادة الشعب وثوابت الأمة من دين أو لغة أو ثقافة أو تاريخ وحضارة ، وان يكون تصوير واقعي لاهتمامات المواطن وتطلعاته ، وهو ما ينعكس بصيغة تبين ذلك ونصوص أخرى تضع قيود على طريقة تعديل الدستور وإعادة النظر به، وتجعل من هذه المهمة ليست باليسيرة لضمان سموه وعلوه على القابضين على السلطة نيابة عن الشعب لمنعهم من الجنوح نحو الاستبداد أو استغلال المنصب والوظيفة، وبحجة تعديل الدستور يتم تكريس الهيمنة الفردية أو الجماعية على مقالد السلطة ومكامن اتخاذ القرار، أو يتم التذرع بحالة الضرورة والظروف الاستثنائية للتطاول على ثوابت الأمة وحقوق الشعب ... ؛ لهذا كان من الحتمي أن توضع آليات تكبح جماح السلطة وتوقفها عند حد معين ولعل المختصين يجمعون على ان أكثر تلك الوسائل فاعلية هي تنظيم الرقابة القضائية على السلطات العامة التشريعية والتنفيذية، وهذا ما أشار إليه دستور العراق لعام 2005 – ( منقول بتصرف ) - .
https://telegram.me/buratha