علي عنبر السعدي ||
- من يقدم الاجابة ؟؟ من يطرح السؤال ؟؟
التاريخ هو من يقدّم الإجابات كونه ماضياً ( متأكداً ) مما يجيب عليه ، لأنه شهد وكتب أو تناقل ، فيما المستقبل مازال يطرح أسئلة لن تتضح إجاباتها الا بعد أن تصبح تاريخاً بدورها ، لكن هل تلك القاعدة صحيحة تماماً؟ وماذا لو كان عكسها ممكناً ؟ أي أن يتكفل المستقبل بالإجابة على ما يطرح التاريخ من أسئلة ؟
يتأرجح الواقع بمظهره العامّ بين متكئين : تاريخ مضى تاركاً آثاره ، وحاضر يتسمّر في مكانه مجترّاً مفردات الماضي ، ولما كان للزمن أبعاداً ثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ،فإن للفعل السياسي أبعادة الثلاثة كذلك : الواقع والمتوقع والمتمنى ولكلّ من هذه الأبعاد وسائله في البحث والتعريف ومن ثم استخراج الخلاصات المتعلقة به أو التابعة له.
مايميز الواقع هو دخوله في مفهوم الزمان وشغله حيزاً في المكان ، مايجعله في متناول الحواس من جهة ، والحسّ من جهة أخرى ، وبالتالي فالواقع صنو الحاضر ومتجلّ فيه وبواسطته.
أما المتوقع ، فهو الموضوع إستناداً الى الواقع وانطلاقاً منه،أي ذلك (الحدث) الذي يمكن أن يمتلك الوسائل الكفيلة بتحققه ليصبح واقعاً في المكان ، لكنه مؤجل في الزمان ، وبالتالي حاضر في الإحساس وفاعل في الفكر ، وإن مايزال غائباً عن الحواس .
وإذا كانت التكتيكات هي التي تتكفل بالتعامل مع الواقع ووضع الأسس اللازمة للتأثير به وفيه ، فإن الإستراتيجيات هي التي تتعاطي مع رسم المتوقع وتحديد الحيثيات التي قد تؤشر إلى جعله واقعاً في المستقبل ، لكن المتوقع قد لايكون مثالياً بالضرورة ، لذا لاتنحصر مهمة الإستراتيجيات في محاولات الكشف عن المتوقع وحسب ، بل وضع الخطط اللازمة لمواجهته أو تسييره أو جعله ممكناً أو الاستفادة منه وتوظيفه .
- حين يستهلك الواقع جهد السياسة ، فإن الحدث الذي يفترض إنه ضمن المتوقع ، يفاجىء السياسيين حال ظهوره ، ومن ثم يربك السياسة لأنه لم يدخل في حساباتها الموضوعية التي ينبغي أن تتوقعه وتضع الخطط لمواجهته .
في العراق الحالي ، يوجد بعدان للفعل السياسي هما: الواقع المضطرب ، والمتمنى المتخيّل ، أما المتوقع ، فهو امّا غائب لغياب العقل الاستراتيجي المستكشف ،أو مغيّب لحساب الماضي (المفترس) ، لكننا أمام مقبل بدأ بتلمس خطواته والتعرف على ملامحمه ...
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha