عبدالملك سام ||
هذا المقال كان من المفترض أن ينشر في 21 يونيو، وهو بالمناسبة تاريخ (عيد الأب) كما تعلمون، أما أنا فلم أعلم بذلك إلا مؤخرا! فهو عيد مغبون لا يتذكره أحد، حتى الأب نفسه! فالأب غالبا مشغول بتوفير لقمة العيش لمن يعولهم، وبما أننا في أيام عيد الأضحى فكلنا نعرف ما يعانيه كل أب مع أقتراب أيام العيد، فكل عام وكل أب بخير..
كنت أتمنى لو كنت أستطيع أن أهنئ أبي بعيد الأب، خاصة وأنا لم أكتشف هذا العيد اليتيم إلا منذ فترة وجيزة، وأنا صرت يتيما أيضا منذ 3 سنوات.. أبي مات قبل عيد الأب بيومين، وقبل عيد الأضحى بشهرين، حتى صارت هذه الأعياد تشعرني بغصة كل عام.. وكم اتمنى أن أعرف من الذي قال أن الحزن يُنسى بمرور الأيام؟! لا تصدقوه، وبروا أبآئكم فلا أمر من الندم.
ما يحيرني فعلا هو لماذا يتسابق الجميع على الإحتفال بعيد الأم والتحضير له، وإعتبار من ينساه سخصا سيئا وعاقا، بينما عيد الأب كالطفل الذي لا أهل له فلا أحد يسأل عنه؟! حتى في زمن الطفرات الذي نعيشه، تمتلئ صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بكل المناسبات والأعياد والذكريات إبتداءً من الأعياد الدينية والوطنية وأعياد الميلاد وصولا لعيد الشجرة، وحتى أنه يوجد يوم للصابون العالمي! إما الأب الكادح المسكين فلا أحد يتذكر أن يجامله ولو بقالب شوكولاتة، أو حتى علبة سردين!
أنا لا أحاول هنا أن أقارن الأب بأي شيء آخر، فلن يدرك قيمة الأب إلا من فقده، فهذه طبيعتنا كبشر أولا فلا نعرف قيمة الشيء إلا متى ما فقدناه، وثانيا فالأب بطبيعته كقنديل الشارع الذي يضيئ لنا الطريق بصمت، ولن تشعر بفقدانه إلا عندما يظلم الشارع.. ورغم أن الأم تتباهى دوما بأنها من حملتنا تسعة أشهر في أحشائها وأرضعتنا، إلا أني أعرف أباء يحملون أبنائهم وهمومهم عشرات السنين وحتى بعد أن صاروا أباء وأمهات!
لن أتكلم عن أبي الذي فقدته، فأنا كلما حاولت أن أتحدث عنه أشعر بـ (!!!!!!!)، حقا لا أعرف ماذا يطلقون على هذه الحالة من الصمت والعجز والحزن والحنين والألم عندما تجتمع كلها معا في لحظة واحدة؟! ولكن هذا الأمر لا يزال يلازمني حتى بعد مرور أعوام على رحيل أبي.. قد كان أبي وصديقي أيضا، وهو الوحيد الذي كنت أشعر بأنه يتمنى أن أكون أفضل منه، وكم هي رائعة تلك الأيام التي تشاركتها معه، وكم هي مؤلمة تلك الذكريات التي لا تلبث أن تلوح أمام ناظري كلما جلست وحيدا، بل والأكثر إيلاما تلك الأشياء التي لم نتشاركها أبدا!
فسيولوجيا فكل واحد منا يحمل أباه وأمه في تركيبته وجيناته، وهي رسالة مشفرة متنقلة عبر الزمن منذ أبونا أدم وأمنا حواء، وكما أننا نحتفل بنصف جيناتنا مرة كل عام في عيد الأم، فمن الإنصاف أن نحتفل بالنصف الآخر، وندخل الفرحة لقلب هذا الكائن المسالم الذي يعيش بيننا ولا نتذكره إلا متى ما أحتجنا للمال! وليقال أن عيد الأب بدعة، وأنا سأرد بأن عيد الأم بدعة أيضا، فلنحتفل بالإثنين، أو نبدع الإثنين معا!!
على العموم.. لسنا بصدد الحديث عن عيد الأب، بل ما نتحدث عنه هو الأب نفسه، وعن ما يعانيه الأب من إهمال عاطفي حتى تم ربطه بالجانب التربوي الصارم للأباء فقط، في حين أن كل من فقد أباه يشعر حينها بالقيمة العاطفية التي كان يمثلها الأب في حياة أبناءه..
وجود الأب وطاعته أمر إلهي، وضرورة إجتماعية لضمان إستقرار الأسرة والمجتمع، ويضمن إبتعادنا عن النموذج الغربي الذي أدى لظهور التفكك الأسري بشكل مرعب يوم تم وضع الوصاية على الأبناء بيد النظم، فضاعت الأبوة والقيم التربوية وما تمثله من القدوة، وأنتشرت الآفات الإجتماعية والأخلاقية وأخرها ما نراه من دعوات الشذوذ، فلو كان الأب التقليدي الذي نعرفه موجودا، فهل كان سيقبل بأن يكون ابنه أو ابنته شواذا؟!
لقد أظهر الغرب المخدوع المخادع غاياته القذرة من إسقاط دور الأبوة تحت دعاوى المساواة والتحرر والإنفتاح، بل وتشويه صورة الأب وربطها بالقسوة والإنغلاق والتخلف! وعندما فصلوا الأب عن الأسرة أمكنهم قيادة الاسرة نحو الإنحدار والسقوط والسيطرة عليها وعلى العلاقات التي تجمع الأفراد ببعضهم. ولندرك قيمة هذا الأمر وأهميته فبالإمكان البحث عن أكثر الدول تفككا وسقوطا، ومعرفة مدى غياب الدور الذي يمثله الآباء فيها.. والسلام.
https://telegram.me/buratha