محمد حسن الساعدي ||
لم يكن يوماً عادياً يخطب فيه رسول الإنسانية،ويجمع فيه عامة المسلمون لإبلاغهم بشيء،أو الحديث عن توجيه الهي لعامة الناس،بل جاء في يوم ومكان محدد أختاره رسول الله برقة وعناية إلهية،ليطلق فيه رسالته السماوية إلى الناس،حيث في هذا اليوم خطب رسول الله خطبة عيّن فيه الإمام علي وصياً ومولى للمسلمين من بعده،وذلك أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يسمى"غدير خم" سنة 10 هـ.
في يوم الغدير كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو جميع الأجيال جيلاً بعد جيل،حيث يؤكد(ص) بقوله : فليبلغ الغائب الحاضر والوالد الولد...
كان رسول الله(ص) يبين عظمة هذا اليوم حيث يقول : يوم "غدير خم" أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى فيه بنصب أخي علي علماً لأمتي ،يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ورضى لهم الإسلام ديناً،فقد أراد نبي الرحمة ترسيخ هذا اليوم ليكون عيداً رسمياً للمسلمين أجمع،ولكن الأيادي الخبيثة والخائنة التي كانت تريد ان تخفي الحقائق وتغير مسار الهداية إلى حيث تشتهي أنفسهم من مآرب .
سعى رسول الله(ص) خلال هذه الفترة إلى ترسيخ معالم الدولة المدنية،وتوسيع مؤسساتها الخدمية،بالإضافة إلى وضع حجر الأساس لمهام الحاكم وآليات العمل المؤسسي،وإبعاده عن الانحراف والوقوع في دائرة الفساد،والوقوف بوجه المشاكل التي كانت تعصف بالدولة الإسلامية،وعجز الحكام السابقين عن قدرتهم على قيادة الأمة الإسلامية بجدارة،وهذا ما أنعكس فعلاً في حروب الردة التي أضرت كثيراً بوحدة المسلمين،بالإضافة إلى بناء المنظومة الأمنية وحماية حدود الدولة وسيادتها من أي تهديد،وتفعيل دور القضاء الذي كانت تسوده القبلية والمزاجية،وتدعيم الرقابة الإدارية للدولة وإيقاف التفاوت بالعطايا الذي كان سائداً في عهد الخليقة الثاني.
إن عيد الغدير، يمثل انعطافة تاريخية مهمة في مسار الأمة الإسلامية، إذ وضع هذا اليوم التاريخ والأحداث والأماكن على جادة التحديث والتغيير، وكان الأولى بالأمة الإسلامية أن تجعل من دولة علي، قيمة عليا في مسارها، وأن يكون دستور علي في قيادة الدولة حاضراً عند حكام المسلمين.
وعندما نقف عند بلدنا العراق، وبعد أحداث التغيير عام 2003، وتسلم حكومات تدعي لنفسها بالإسلامية منصب الحكم، وقيادة الدولة، أن تعكس نظريات الحكم والقيادة للإمام علي، ولكن هذه القيادات الفاسدة التي تخلت وابتعدت عن سيرة علي ومنهاجه في الحكم، والمساواة بين الرعية، أصبحت عنواناً رئيسياً للفساد والفاسدين في الحكم، كما أن الأمة التي لم تتخذ من منهاج حكم الإمام علي في الحكم، لا يمكنها أن تنهض وترى التطور والتغيير، وأن الأمة التي تخلت عن رؤى الإمام في قيادة الدولة، وبناء المجتمع المتحضر، لا يمكنها أن تنهض أو تستقر، لأن الإمام علي كان يريد بناء الدولة وليس الحكم.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha