حليمة الساعدي ||
المعروف ان المجتمع هو صورة كبيرة عن الاسرة والاسرة نواة المجتمع وهي اصغر وحدة فيه ولو نظرنا الى الاسرة الناجحة نجد انها تتكون من اب حازم وحريص ومثابر وملتزم دينيا وله حضور اجتماعي كبير وسط اهله ومحيطه، وام واعية وحازمة وحنونة وملتزمة وذات عفة واقتصادية وتحرص على ابقاء البيت نظيف ومرتب، واولاد لديهم شعور بالانتماء لهذه الاسرة ويحسبون لزعل الاب الف حساب احتراماً و خوفاً من العقاب، ويحرصون على عدم زعل الام لأن ذلك يؤذي مشاعرها ويحزن قلبها. هذه الاسرة تنتج جيلاً ناجحا ملتزماً مؤمناً له ثوابت وعقيدة ويتحلى بالاخلاق الرفيعة السامية.
الحالة الثانية اسرة تتكون من اب مستهتر يتعاطى المسكرات وعاطل عن العمل مثير للشغب وكثير العراك لايحترم جار ولا يراعي حقوق الارحام وليس له عقيدة ولايعترف بالدين. وام بليدة متخلفة مستهترة كثيرة التسويف بالوقت ومبذرة وليس لديها مخافة الله تلقي بالتهم على الاعراض جزافا ً ولا تتحلى بالستر وصوتها مفضوح وغير مهتمة بشؤون ابنائها لانها منشغلة باخبار الجيران ومتابعة المشاهير والموبايل لا يفارق يدها. هكذا اسرة تنتج اولاد على شاكلتهم فمن شابه اباه ماظلم و ابناء هذه الأُسرّ لايحترمون ابائهم ولا مجتمعاتهم ولا حتى انفسهم وعادة ما يكونوا مجرمين او نصابين او سراق او متسولين لأن الأسرة التي أنشأتهم اسرة هدامة لكل القيم والمبادئ خالية الثوابت تنتج ابناءً مشبعين بالكراهية والحسد من اقرانهم يعتريهم شعور بعدم الانتماء لا للاسرة التي نشأوا فيها ولا للمجتمع ولذا فمثل هكذا نماذج مستعدة لبيع اي شيء مقابل المال والمصلحة الشخصية. وتجد ان اكثر الجواسيس والعملاء والخونة والارهابيين هم ممن تربوا في مثل هكذا اُسَر؛
وما المجتمعات الا مرآة عاكسة لصورة الافراد وكذلك الافراد مرآة المجتمع فكما هو الحال بالنسبة للاسرة، فإما اسرة رصينة مترابطة بروابط الحب والاحترام والاخلاق والقيم والمثل وإما اسرة منحلة وليس فيها خير ولا نفع كذلك المجتمع اما مجتمع رصين متماسك ويحمل القيم والمثل العليا ولديه موروث يعتز به وإما مجتمع متفسخ متحلل لا يراعي اهمية احترام الثوابت العقدية والدينية والاخلاقية ولا يحترم الرمز ولا القدوة ولا يثمن القيم النبيلة وليس للدين عنده مكانة ولا يأبه للمورث الاجتماعي اي اهمية . والسؤال هنا من يؤثر على من؟ هل المجتمع يؤثر على الاسرة؟ ام الاسرة تؤثّر على المجتمع؟ .
سابقاً كانت الاسره هي التي تُصوغ طابع المجتمعات و تحدد لونه و
شكله وطبيعته فإما اُسَرٌ ريفية تراعي القيم من العزوبية والكرم والضيافة المبالغ فيها والعصبية القبلية ولديه لون معين في الفن والادب واللباس وحتى المأكل والمشرب وطريقة التعامل مع المرأة والطفل والشيخ والشباب فكل واحد من هذه الفئات له ميزة معينة وتعامل معين وله ضرورة في المجتمع الريفي فالرجل او المرأة في المجتمعات الريفية كلما كبرو في السن كلما زاد احترامهم وتقديرهم وزادت ثقة الناس برأيهم لانهم يصبحون اكثر حكمة ودراية وحنكة بسبب كثرة التجارب والمحن.
أمّا الأُسَر التي اختارت ان تعيش. في المدينة فهي على النقيض تماما لانها تميل للحداثة والتحديث في كل شي اللبس (الموظة) والعادات والحريات والسلوكيات وتمنح المرأة حرية اكبر في التعليم واختيار الزوج وحتى نمط الحياة، وتعير اهمية لأراء الاطفال وتراعي مشاعرهم وتهمل احيانا الكبار في السن وتتثاقل عن رعايتهم والمجتمعات المدنية تساوي بين الرجل والمرأة لدرجة ان المرأة احياناً تفقد الشعور بانوثتها والرجل يهمل دوره كرجل مسؤول. ونجد في المجتمع المدني الاسرة منغلقة على نفسها نوعاً ما فالتواصل بين الارحام والجيران اقل بكثير مما هو عليه في الريف ولذلك فإ ن مجتمع المدينة اكثر هشاشة من مجتمع الريف وهو سريع الاختراق والامراض الاجتماعية تنتشر فيه اكثر من انتشارها في الريف. فإذاً المدن الكبيرة اكثر عرضة للمفاسد والامراض الاخلاقية، والبسبب ابتعادها عن العشائرية والقبلية وعدم اكتراثها بالموروث الاخلاقي والسنن والعادات والتقاليد.
لم تعد الاسرة اليوم المحرك الاساسي للمجتمع وتأثيرها في صياغة شكله اصبح ضعيفاً بسبب وجود مؤثرات اكبر فاعلية واسرع تأثير منها بل انها اصبحت تحت مطرقة هذه المؤثرات الخارجية المستحدثة فالثورة المعلوماتية والاتصالات والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي والعوالم الرقمية والبرمجيات والمنصات الاعلامية وسرعة التحديث اليومي المستمر عليها جعلها في سباق مع الزمن فالعالم الاثيري والسيبراني في تطور مستمر وبسرعة لا يمكن اللحوق به إذا لم تكن مواكبته يومية، حتى ان اصبح الأميّ والجاهل من جهل كيفية استخدام هذه التقنيات و الرقميات والبرمجيات التي جعلت العالم كله بين يديك مما زاد في صعوبة السيطرة على الابناء لأن الأهل اذا راقبوا ابنائهم في المنزل فإنهم لن يتمكنوا من مراقبتهم خارجه فالاجهزة الالكترونية اصبحت اليوم
بأيدي الصغار والكبار وفي جيوبهم وحقائبهم المدرسية واصبح من حق كل فرد انشاء قناة خاصة على حسابه الشخصي به ينشر فيها مايشاء فأصبحت ثقافتنا متأثرة بجميع الثقافات الاجنبية من خلال ما يسكب في اذهاننا عبر wi-fi ومن خلال الاجهزة الرقمية.
ناهيك عن التطور الكبير والسريع في وسائل النقل من طيران وقطارات وسيارات. لم تعد هناك مجتمعات مغلقة الا ما ندر .
في هذه الحالة علينا ان نعترف اننا ازاء مرحلة ثقافية جديدة بل نحن في حالة ولادة عصر جديد لا يعترف بالحدود المادية ولا بالموروث الثقافي والعادات والتقاليد هذا العصر له محركاته الخارجية ( فهو اشبه بسيارة صغيرة تسحبها سيارة كبيرة بسلسة فولاذية فقوة السيارة الكبيرة تغلبت على عزم وقوة السيارة الصغيرة ) هكذا حال مجتمعاتنا الشرقية التي رزحت عقوداً تحت الاستعمار الاجنبي واستبداد حكومات دكتاتورية تعمدت نشر الجهل والتخلف وارحقتنا في حروب استنزافية وفقر حصار فكري ومادي. لذلك نحن نشاهد بأم اعيننا كيف ان تأثير الثقافات الخارجية واضح على مجتمعاتنا العربية والاسلامية مثل العراق و دول الخليج والسعودية ومصر ولبنان وغيرها من الدول العربية المتخلفة تكنلوجيا والتي تعتمد في تقنياتها على الغرب ، ولذا فإن الدفاعات الحقيقية هي ان نوجد برامج محلية تتفق وموروثنا الديني والاجتماعي توازي اذا ما تتفوق على البرامج الغربية المدسوسة التي غرضها خلق جيل فاسد متحلل لا فائدة ولانفع فيه و طمس الدين والتعاليم السماوية ونشر ثقافة الجندر والمثلية والتحول الجنسي.
وجعل المرأة سلعة رخيصة تتقاذفها ايدي الحرام وتعود بها لزمن صاحبات الرايات الحمراء.
ان الامر غاية في الخطورة، فالمجتمعات البشرية تتجه نحو الانحدار الاخلاقي و من الممكن ان نكون عرضة لهذا الانجراف اذا لم نتخذ التدابير الوقائية اللازمة فنحن كمسلمين مكلفين بايجاد الحلول الحقيقية الجادة لمجابهة هذه الموجات السّامّة وتنقية اجواء مجتمعاتنا عبر برامج موازية بناءة وتقديمها بطابع جاذب ومرغوب وسهل بعيد عن التعقيد والتزمت، و يكون فيه القرب الحقيقي من الله ومن الرسول ورسالته والتمسك به وبعترته و يكون هذا باستثمار العقول الشابة والطاقات العلمية الخلّاقة وتنميتها ودعمها وتطويرها وصناعة برامج تمثل مصدات حقيقة ودفاعات قوية امام هذه الحرب الموجهة ضد الدين و الاخلاق، حرب التآكل الاجتماعي، حرب الاحتراق الذاتي، حربٌ ناعمة سلاحها ان يقتل الابناء الاباء ومن ثم يقتل الابناء انفسهم من حيث لا يشعرون.
https://telegram.me/buratha