يبجل الشيعة الأمام علياً عليه السلام ويتخذون سيفه ذي الفقار رمزاً لهم، والسيف أيضاً رمز للسيخ، والفرق بيننا وبين السيخ هو أننا نكتفي بوضع صور للسيف على جدراننا وأعلامنا، فيما يحمله السيخ على خصورهم، ليحذر أعدائهم ويحسبوا ألف حساب قبل التعرض لهم بأذى. ( بقلم : د. حامد العطية )
أنا شيعي احترم كل الأديان والمذاهب، ولدي أصدقاء من أديان ومذاهب شتى، ولكن ليس من ضمنهم سيخي واحد، هكذا بفعل الظروف لا الاختيار، وما أعرفه عنهم قليل، وتذكر المصادر بأن السيخية دين ظهر في القارة الهندية قبل خمسة قرون، وفي الفترة ما بعد فتح المغول المسلمين لأقاليم شاسعة من شبه القارة الهندية، وكانت حصيلة الاحتكاك والتفاعل والتمازج بين الاسلام والهندوسية اعتناق أقلية من الهندوس للإسلام، وأخمن بأنه لولا المثل السيء الذي ضربه الفاتحون لكان مسلمو الهند اليوم أكثرية، وبعض الهندوس اتخذوا موقفاً وسطاً، فانصرفوا عن عبادة آلهة الهندوس، واستبدلوها بعقيدة جديدة، هي وسط بين الهندوسية والإسلام، وإن كانت تبدوا أقرب إلى الإسلام في مناحي عديدة جوهرية.من المؤكد عدم وجود قواسم مشتركة كثيرة بين الهندوس والسيخ من حيث العقائد والطقوس، وليس مستغرباً أن يعتبر الهندوس،وخاصة متطرفوهم، السيخ منشقين عن الديانة الهندوسية، ويعاملونهم على هذا الأساس، فقد انسلخ السيخ عن عبادة الأصنام التي هي من سمات الهندوسية، واستبدلوها بعبادة الآله الواحد، وحرموا نسكهم، ورفضوا عقيدتهم في التناسخ، وسفهوا الطبقية الاجتماعية الجائرة التي صنف وفقها الهندوس البشر في مجتمعهم إلى ثلاث طبقات لا تنافذ بينها، هي: السادة البراهميون والعامة من الناس وفئة المنبوذين أو غير الممسوسين من الكادحين.وبالرغم من التشابه الملفت للنظر بين السيخية والإسلام في التوحيد ونبذ عبادة الأصنام وفي اعتقادهم بكتاب مقدس يصر السيخ على تمييز انفسهم عن المسلمين، وهم في ذلك لا يختلفون عن الأديان والمذاهب الأخرى في تشريعهم لعقائد خاصة بهم تميزهم عن الغير، وتشكل هوية انتماء لأتباع ملتهم، وعلىسبيل المثال يحرم السيخ أكل أضاحي المسلمين ويمنعون الختان ولا يبيحون حجاب المرأة.وضع الانقسام والتقاتل بين الهندوس والمسلمين آبان فترة حصول الهند على الاستقلال من الاستعمار البريطاني السيخ أمام اختيار مصيري: العيش مع المسلمين في دولتهم الجديدة الباكستان أم مع الهندوس في ما تبقى من الهند، فضل الهندوس مجاورة الهندوس على المسلمين، لأنهم كانوا أهون الشرين، ولا يلامون على ذلك، فلو اختاروا الباكستان لكان مصيرهم مثل شيعة ذلك البلد، لا يمر وقت طويل من دون مذبحة تطال رجالهم ونسائهم وأطفالهم، ومن الرحم الباكستاني سقطت حركة طالبان المسخ، وفي أوكارها عشعشت أشد الحركات الإسلامية ظلامية وانغلاقاً، اختار السيخ الهندوس بعد حصولهم على ضمانات من المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو باحترام حقوقهم المدنية والدينية، فلماذا لم يقدم لهم المسلمون ضمانات مماثلة أو أفضل ليكسبوهم إلى صفوفهم؟ وقد تحمل السيخ الكثير من المعاناة والتضحيات نتيجة هذا الاختيار، فقد اضطرت أعداد غفيرة منهم إلى ترك مساكنهم وأراضيهم الزراعية الخصبة في مناطق المسلمين، ونزحوا إلى المواقع التي يسيطر عليها الهندوس، ليبدؤا من جديد استصلاح الأراضي التي استقروا فيها في حوض البنجاب، وكفاهم فخراً بأن مزارعهم تنتج 70% من القمح و50% من الأرز في الهند، ويعزى لهم الفضل في بلوغ الهند الاكتفاء الذاتي في محصول القمح.لم ينج السيخ من اضطهاد الهندوس، على الرغم من ابتعادهم عن السياسة والتنافس على النفوذ والمناصب، ويتهم بعض السيخ الهندوس بالتدخل في أمور عقيدتهم، واستغلال تباين وجهات النظر داخل الملة لتعميق الخلافات وشق صفوفهم، وهذا ما أدى إلى تأزم العلاقات بين حكومة الأكثرية الهندوسية برئاسة أنديرا غاندي والأقلية السيخية في الثمانينات من القرن الماضي الميلادي، ويدعي المؤرخون السيخ بأن الضغوط والتدخلات الحكومية أدت إلى نشوء حركة رفض متشددة بقيادة السيخي سانت جارنل بهندروالا، والذي أصبح مطارداً من قبل السلطات، مما اضطره إلى اللجوء إلى حرم المعبد الذهبي في مدينة أرمستار من إقليم البنجاب الهندي، ويعتبر السيخ هذا المعبد أقدس أقداسهم، يحتفظون فيه بمخطوطاتهم وآثارهم الدينية المقدسة، والمبنى قائم منذ مئات السنين، وسمي بالمعبد الذهبي لأن قبته الرئيسية مغطاة ليس بالذهب وإنما بصفائح النحاس! بلغت المواجهة ذروتها بين حكومة أنديرا غاندي والسيخ اللائذين في حمى معبدهم الذهبي في السادس من حزيران من العام 1984م عندما اقتحمت قوات من الجيش الهندي أبواب المعبد، وكانت حصيلة هذا الهجوم مقتل قائد السيخ المعارضين الذي يروي بأنهم وجدوا آثار 72 رصاصة في جسده، وهلاك وجرح المئات من السيخ المتواجدين في المكان، ولحقت بمبنى المعبد أضرار جسيمة، ويفتخر السيخ بصمود تلك القلة من أشياعهم أمام القوة الضاربة من الجيش الهندي، والذين حاربوا ببسالة واوقعوا في صفوف جند الحكومة خسائر فادحة قبل أن يقتلوا.أصاب اقتحام وتخريب المعبد السيخ بصدمة كبيرة، ولأن خصمهم في القضية الحكومة الهندية نفسها فقد يأسوا من الاقتصاص من المسئولين عن الجور والتقتيل وانتهاك القدسيات الدينية الذي وقع عليهم، مما دفع العديد منهم إلى المناداة بأخذ الثأر، ولم يمض وقت طويل حتى سمع العالم بإغتيال السيدة غاندي، رئيسة الحكومة الهندية، ورئيسة حزب المؤتمر، وإبنة الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، تلميذ ورفيق القائد الأسطوري غاندي، ولم يكتف السيخ بذلك، ووصلت بهم شهوة الاقتصاص أو الانتقام من الرموز الهندية إلى حد اسقاط طائرة ركاب تابعة للخطوط الهندية بانفجار قنبلة، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها، واتهم بتدبير الحادث الإرهابي ثلة من الهندوس الكنديين، وعلى الرغم من استباب السلام والتعايش بين الفئتين فلا يزال السيخ يتذكرون أحداث تلك الفجائع التي حلت بهم وقد تعاهدوا على عدم نسيانها أبداً.التاريخ عبر، والسجلات التاريخية مدارس بخسة التكلفة، فلا تسجيل ولا دوام ولا أساتذة يرهقونك بالواجبات ويرهبونك بالإختبارات، ومن لم يتعلم من التاريخ فقد يذهب ضحية للتاريخ، لأن التاريخ مثل المحيطات فيه مد وجزر وأنواء مرعبة، والعاقل من يتعلم من التاريخ مهارة الملاحة في أمواجه، حتى لا ينتهي غريقاً أو في بطون حيتانه، فماذا يتعلم الشيعة من تاريخ الصراع الهندوسي- السيخي، خاصة وأنهم يجدون أنفسهم اليوم في خضم صراع مماثل مع القوى السنية الإرهابية التي عقدت العزم على إبادتهم.• في الهند الهندوس أكثرية والسيخ أقلية ولكن ذلك لم يفت في عضد السيخ الذين يصرون على المطالبة والتمتع بكافة حقوقهم المدنية والدينية، بالمقارنة نجد في العراق أكثرية شيعية وأقلية سنية، وتاريخياً مارست الأقلية شتى أنواع الاضطهاد والظلم وعمليات الإبادة الجماعية بحق الأكثرية، التي صمتت وصبرت على ذلك طويلاً، والآن وبعد فقدان الأقلية احتكارها للسلطات والمنافع بسبب الطيش والحماقة والنزعات والأهواء التسلطية الغالبة عليها عادت لتحاول استعادة مواقعها من خلال الإرهاب والقتل الجماعي وغيرها من صنوف الأعمال الإجرامية، فلو كان السيخ مكان الشيعة فهل كانوا سيصبرون على هذا الوضع؟ من المؤكد لا لأنهم يتقنون مهارات البقاء، فالبقاء للأقوى في مجتمع الغابة الذي أسست قواعده الأقلية في العراق.• العدل لدينا نحن الشيعة ركن من أركان العقيدة، وعند السيخ عقيدة أساسية، ويا ليت الشيعة تعلموا من السيخ بأن العقيدة بدون تطبيق مجرد شعارات وطقوس، وللعدل كفتان لا بد من توازنهما، كما أن لها طرفان: حاكم ومحكوم يحتكمان كليهما إلى العدل، وكما أن الشيعي ملتزم بالعدل فإن من يظلمه يستحق قطع العنق أو اليد وإلا اختل التوازن وتمادى الظالم في ظلمه، والأمثلة في تاريخ الشيعة على الظلمة البغاة تبدأ بمعاوية ويزيد ولا بد من انتهائها بصدام والزرقاوي ورهطهما.• يرفع الشيعة والهندوس مبدأ "هيهات منا الذلة"، ولكن قلة من الشيعة ملتزمون به فيما أثبت السيخ بأنهم جديرون بحمله عندما انتقموا من الهندوس، فمتى نصبح صنو السيخ الأقلية ونحن الأكثرية في العراق، الوطن المذهبي للشيعة؟ • لم ينجح أحد، لا في الشرق ولا الغرب على قسر السيخ على التخلي عن عماماتهم وشعورهم الطويلة، أما نحن الشيعة فعلى أهبة الاستعداد للتخلي عن حقوقنا الدستورية وعن الجعفري ولربما غداً عن مراجعنا وأئمتنا في سبيل أن ترضى عنا الفئة الضالة والمنحرفة. • يبجل الشيعة الأمام علياً عليه السلام ويتخذون سيفه ذي الفقار رمزاً لهم، والسيف أيضاً رمز للسيخ، والفرق بيننا وبين السيخ هو أننا نكتفي بوضع صور للسيف على جدراننا وأعلامنا، فيما يحمله السيخ على خصورهم، ليحذر أعدائهم ويحسبوا ألف حساب قبل التعرض لهم بأذى.• وأخيراً نصل إلى الفرق الجوهري بيننا نحن الشيعة والسيخ، والذي أثبت فيه السيخ تفوقهم المطلق علينا، لا في العقيدة وإنما في الالتزام بها والتضحية في سبيلها، فعندما انتهكت القوات الهندية حرم معبدهم الذهبي، وهدمت جانباً منه انتقم السيخ من قادة الهندوس بقتل رئيستهم أنديرا غاندي وطال غضبهم آخرين، وما حل بضريحي الإمامين العسكريين في سامراء أفدح وأمر وأقسى، فقد تلاشى الضريحان الطاهران بفعل الانفجار وانهدمت القبة، وأهين جميع الشيعة بوصمة عار أوصلتهم إلى أسفل سافلين هذه الدنيا، فماذا فعلوا؟ الصمت والسكوت والدعوة إلى الهدوء والسكينة، فأي عدل بعد ذلك تتحدثون عنه وكيف تجرؤون على ترداد هيهات منكم الذلة، ودعكم من رفع صور ذي الفقار لأنه لا يمسه سوى الأبطال الصناديد المدافعون عن الحق....والله لو لم يكن التشيع دين الحق والعدل لكنت سيخاً في عيون الظالمين.د. حامد العطيةاشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha