لم تمر إلا شهور قليلة على تخرجي حتى جاء التاسع من نيسان ليعلن فرحة كبيرة حينها وقلت أنها البداية الجديدة لانسى الم الماضي ولأبدا من جديد, وجاءت البداية في احد دوائر الدولة لأتلقى سهما أخر وصدمة جديدة اسمها الفساد الإداري في زمن الحرية والديمقراطية ولازالت معاناتي مستمرة لحد هذه اللحظة . ( بقلم : مهندسة بغداد )
مذ كنت طفلة أدركت إن في عيني والدّي نظرة تكاد لا تغيب عن بالي ربما لأنها لازالت مرسومة في عينيهما! نظرة لم أدرك أبعادها ولا معناها إلا أنني أحسست بها . لم تكن النظرة وحدها ما يثير استغرابي فقد كان هنالك صمت مفاجئ عندما أطلق سؤالي بوجه والدي وهو مستغرق في الكلام مع والدتي (بابا هذا منو؟) مشيرة إلى جهاز التلفاز غاضبة لان أفلام الكارتون قد قطع ليتحدث هذا الشخص! فيجيبني والدي كاسرا حاجز الصمت (هذا بابا صدام؟) فأرد مسرعة (انتة بابا! يصير اثنين بابا؟) كان أبي يربت سريعا على كتفي لكي العب واكف عن الأسئلة وعند إلحاحي كان يخبرني عن حقيقة عرفها كل أطفال العراق بأنه لكل طفل أبان الأول في الجبهة يحارب والثاني صدام حسين!!! كانت تلك هي طفولتي مجموعة أكاذيب يخبرني بها أهلي وتؤكدها مدرستي ومدرساتي إلا إن شيئا كان يخبرني بأنها أكاذيب عندما كنت اسمع تلك الهمسات بين والديّ عندما يظهر صدام في التلفاز تلك الهمسات تتضاءل عندما ارمقهما بنظرة فيستبدل والدي نظرته المتجهمة إلى التلفاز ليظهر ابتسامة لم تكن جميلة كونها ليست حقيقية كذا عندما يطرق باب دارنا أشخاص بملابس خضراء موحدة مستفسرين عن والدي كنا غالبا لانفتح الباب أو تخرج أمي لتكذب وتقول انه ليس هنا؟ كانت صدمتي بأهلي كبيرة كنت في طريق المدرسة اسأل نفسي هل إن والدّي هم الخونة الذين يتكلم عنهم مدير مدرستي صباح كل خميس!!!! ياليتني بقيت مصدومة بأهلي إلا أنني أدركتها الحقيقة أبان حرب الخليج وأنا أبنة الحادي عشر من العمر أدركت كل شيء لم يعد أهلي قادرين على مواجهة أسئلتي بالهروب منها بأجوبة ركيكة بدا والدي يحدثني عن أصحاب الملابس الخضراء قاطعا حديثه بين فترة وأخرى ليأخذ مني وعد بعدم الكلام أمام أي شخص حتى أمام المرآة!!! فأهز راسي مسرعة بالقبول لمعرفة المزيد . بعد هذه المرحلة لم اعد بحاجة لان يخبرني احد لان لفحات البعث المحرقة بدت تحرقني في المدرسة أيام الدراسة المتوسطة والإعدادية حيث أبناء البعث الأغبياء هم فوق أي متفوق لان والدهم متفوق على والدي الذي أشقاه الهروب من الجيش الشعبي لكي يوفر لنا لقمة العيش وجاءت الطامة الكبرى حين أكملت دراستي الإعدادية واحصل على معدل عالي جدا لاكتشف إنني لا استطيع دخول كلية الطب حلمي الأول والكبير لماذا لان هذه الكلية لا تقبل من معدله اقل من 102% نعم لم اخطأ في كتابة الرقم هذه هي الحقيقة يجب أن يكون والدك صديقا للطاغية كي تحصل على خمس درجات إضافية فوق المعدل مرة أخرى ينتصر علي ابن الرفيق مغتصبا حقا أحقه الطاغية له , احتسبت بالله في حلمي الضائع وكثيرا ما رددت في نفسي (مهندسة والدها مستقل أفضل من طبيبة والدها بعثي!) كنت حينها ابنة الثمانية عشر والحياة أمامي زاهرة مما جعلني اعتقد بان هذا التنازل والصدمة ربما تكون الأخيرة في حياتي في العراق إلا أن الأيام أثبتت لي أنها البداية فقط لم أدرك حينها إن البعث لا يهدم حلما واحد إنما صمم على هدم حياة كل مواطن بشكل كامل لا جزئي. دخلت الكلية لتستمر المعاناة التي بدت مألوفة من مراوغة زميل لكي يكسبك للحزب وعليك أن تجد ألف عذر لتتملص من هذا الأمر إلى الحقوق الضائعة والأمل الذي مات قبل أن يولد في الحصول على مقعد في الدراسات العليا بدون أن تتلوث بالبعث لم تمر إلا شهور قليلة على تخرجي حتى جاء التاسع من نيسان ليعلن فرحة كبيرة حينها وقلت أنها البداية الجديدة لانسى الم الماضي ولأبدا من جديد, وجاءت البداية في احد دوائر الدولة لأتلقى سهما أخر وصدمة جديدة اسمها الفساد الإداري في زمن الحرية والديمقراطية ولازالت معاناتي مستمرة لحد هذه اللحظة ولا مجال لذكرها هنا إلا إنني في النهاية أحببت أن اطرح سؤالا لكل من يتكرم علي بقراءة هذه المقالة وان يكون منطقيا في إجابة سؤالي ماذا افعل الآن؟؟؟ 1- استمر في عملي وأجاهد من موقعي بالمحافظة على المبادئ والقيم الحسينية التي نشأت عليها متجاهلة قيم مجتمع متعب جدا وأبدو غريبة الأطوار فيه! واعتبر نفسي مجاهدة واخدم بلدي من موقعي مساندة في ذلك حكومة انتخبتها ومؤمنة بها. 2- اهرب بعيدا عن كل ذلك لأبدا في دولة أخرى تحفظ لي أدميتي وتوفر لي ما لم يوفره لي بلدي ولأنهي معاناة مللت منها ومن تحملها وهل الوقت ملائم للهروب أم العكس هذا وقت البقاء؟ هذان الخياران أفكر يهما طوال اليوم ليأتي المساء ولم أجد حلا لذلك فكرت في كتابة هذا المقال لطلب النصيحة من إخوتي العراقيين من الطبقة الواعية والمثقفة التي تسعدني قراءة مقالاتهم في هذا الموقع أتمنى لو أن الوطن يتكلم لكي اسأله يابلدي هل تحتضر وذا كنت كذلك هل علي أن أموت معك !! أم انك تحاول أن تتعافى كي أساعدك تكلم.... تكلم .... بسرعة كي أقرر قبل فوات الأوان اجعلوا أنفسكم مكاني وأتمنى أن استقي من إجاباتكم حلا أختكم المهندسة بغداد Baghdad5002@hotmail.com
https://telegram.me/buratha