تستمر ظاهرة الفساد في القطاع النفطي العراقي في التوسع ، وتبلغ قيمة صفقاتها عشرات الملايين من الدولارات .
وشاعت هذه الظاهرة ، التي أودت بالعراق إلى الحضيض، في قائمة استشراء الفساد في قطاع النفط، بحيث أصبح تقريباً في مصاف دول أخرى مثل نيجيريا ، التي تصنفها منظمات الشفافية الدولية كأكثر الأقطار فساداً في مجال الصناعات النفطية .
وسنحاول أن نشير في هذا المقال إلى بعض ما نشر عن الفساد في قطاع النفط العراقي خلال الأسابيع الأخيرة:
الخبر الأول : يتعلق بالأزمة الجديدة - القديمة حول عدم تركيب عدادات إلكترونية على المنصات البحرية العائمة التي أنشئت أخيراً ،...!
وهو أمر ضروري كي تعرف الدولة بدقة كمية النفط المصدر على الناقلة ، وإلا يصبح التقويم المالي لقيمة الشحنة اعتباطياً ، معتمداً على إفادة القبطان الأجنبي أو المسؤول المحلي العراقي المشرف على التصدير .
فما هو المبرر لعدم تركيب العدادات ؟ ومعروف أن السلطات النفطية على علم تام بإمكان التلاعب، باستخدام طريقة الذرعة ( احتساب كمية النفط المصدر في الناقلة بطريقة يدوية )، وباحتمال خسارة الدولة عشرات الملايين من الدولارات بسبب هذا التقصير.
فلماذا هذا الاستعجال في تركيب المنصات العائمة من دون عدادات ؟ ولماذا هذا التأخير في نصبها ؟ وإذا لم توفر وزارة النفط الأجوبة المقنعة على هذه الأسئلة ، فيتوجب عندئذ على لجنة النفط النيابية استجواب وزير النفط حول هذا الأمر .
نشر الخبر في « السومرية نيوز » في 8 الجاري كالآتي : « أعلنت وزارة النفط ، الجمعة ، عن سعيها لنصب منظومة عدادات إلكترونية لقياس كميات النفط المصدرة عبر ثلاث منصات جديدة عائمة في المياه الإقليمية العراقية ، مؤكدة أن عمليات التصدير عبر المنصات تعتمد حالياً على طريقة (الذرعة) البدائية .
وقال مدير المرحلة الأولى من مشروع تصعيد الطاقات التصديرية عمار العيداني في حديث الى «السومرية نيوز» ، إن « العراق يمتلك ثلاث منصات عائمة جديدة لتصدير النفط الخام ( جيكور والمربد والفيحاء ) ، منها منصتان قيد الخدمة ، والثالثة لم تستخدم بعد » ، مبيناً أن « عمليات التصدير من خلال المنصتين العائمتين تعتمد على طريقة الذرعة في احتساب كميات النفط ، لعدم اكتمال مشروع نصب منظومة عدادات قياس للمنصات .
ولفت العيداني إلى أن « الربع الأول من العام المقبل 2014 سيشهد الانتهاء من مشروع تجهيز ونصب منصة بحرية عائمة لمعدات القياس ستكون مخصصة لمنصات التصدير العائمة ، معتبراً أن طريقة الذرعة وإن كانت بدائية ، إلا أنها تمثل طريقة قياس عالمية رائجة ويعتمدها الكثير من الدول المنتجة للنفط ، بما فيها دول عربية » .
والحالة الثانية :، هي ظاهرة استشراء الفساد عند بعض المسؤولين عن تسويق النفط العراقي . وهنا نستشهد برسالة رسمية مرسلة من قبل شركة تسويق النفط العراقية (سومو) في الأسبوع الماضي . وقد حذفنا اسم الشخص المشار إليه ووظيفته لعدم اكتمال التحقيق في قضيته .
«... نود إحاطتكم علماً بأن هناك حالة في وزارة النفط / شركة تسويق النفط (سومو) ومن منطلـــق النزاهة وحرصاً على تطبيق القانون ... ندرجها باختصار (وبالإمكان تزويدكم بكامـــل التفاصيل المطلـــوبة) وكما مبين أدناه :
1- تمت إحالة السيد ... في شركة تسويق النفط ، والذي يعتبر أحد الأشخاص المهمين في تسعير النفط الخام والمنتجات النفطية في سومو ، الى لجنة تحقيق في مكتب المفتش العام في وزارة النفط ، نتيجة التبليغ عن قيامه بتسريب أسعار النفط والمنتجات النفطية إلى الشركات الأجنبية .
2- بعد التحقيق من قبل اللجنة، وُجد أنه يقوم بهذا العمل منذ فترة طويلة ، وأوصت بنقل السيد أعلاه من شركة تسويق النفط إلى دائرة الدراسات في وزارة النفط ، وتوجيه عقوبة الإنذار له ، وكذلك تنزيل درجته الوظيفية درجة واحدة .
3- وعليه ، قام السيد أعلاه بتقديم طلب لإحالته على التقاعد ، وتمت الموافقة على هذا الطلب ، وبالفعل تم إصدار أمر إداري ... من دون النظر إلى تطبيق العقوبة أو تعميم أمر إداري بهذه العقوبة ، لتكون عبرة لكل المفسدين ... ما يدل على تواطؤ لتهميش وتسييس توصيات مكتب المفتش العام ، حيث كان من المفترض تطبيق العقوبة وبعد ذلك الموافقة على رغبة السيد أعلاه في التقاعد من الجهة التي كان من المفروض أن ينقل اليها » .
أخيراً وليس آخراً ، أشار تقرير « العراق أويل ريبورت » بتاريخ 8 شباط (فبراير) إلى الآتي : إن شركة « اكسون موبيل » عينت السفير الأميركي السابق في العراق جيمس جفري مستشاراً لها ولعملياتها في العراق » . كما أن الشركة تستشير مسؤولي الأمن الوطني سابقاً في البيت الأبيض ، مثل كوندوليزا رايس وستيفن هندلي حول العراق منذ العام 2011 ، إضافة إلى السفيرين المتقاعدين زلماي خليل زاد وراين كروكر ، اللذين خدما في العراق خلال العقد المنصرم .
معروف أن هناك مشاكل كبرى بين « اكسون موبيل » ووزارة النفط العراقية ، أهمها قرار الأولى استكشاف النفط والتنقيب عنه في إقليم كردستان ، ما اعتبرته الحكومة العراقية تحدياً صارخاً لسياستها النفطية ، مطالبة على أثر ذلك بأن تتنازل « اكسون موبيل » عن حصتها في حقل « غرب القرنة-1» ، وهو من أهم الحقول العملاقة في العراق وعالمياً . فكيف تتنازل شركة عن حصتها في حقل عملاق منتج وذي احتياطات معروفة ، في مقابل العمل في منطقة موعودة ولكن ليست منتجة حتى الآن ؟ وما هي انعكاسات عمل « اكسون موبيل » في إقليم كردستان العراق على إمكان ولوج شركات نفطية عملاقة على حساب بقية الأراضي العراقية ؟
ليس من المستغرب على شركة عملاقة مثل « أكسون موبيل » أن تستعين بخبرات مسؤولين كبار متقاعدين كمستشارين لها في العراق ، فهذا أمر أصبح اعتيادياً على الصعيد العالمي . لكن الملفت هو التركيز على سفراء الولايات المتحدة خلال فترة الاحتلال ، المطلعين طبعاً على الكثير من خبايا الأمور في العراق وذات صلة وطيدة بالطبقة السياسية الحاكمة . وهذا يطرح السؤال : ما الذي تخبئه « إكسون موبيل » للعراق ولصناعته النفطية مستقبلاً ، لكي تحتاج هذا العدد من المستشارين من المعيار الثقيل ؟
الكاتب في سطور:
حائز على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية، جامعة جونز هوبكنز ، واشنطن، 1972
مواليد بغداد، العراق ، عام 1942
الخبرة المهنية
مستشار نشرة “ميدل ايست ايكونوميك سرفي ” (ميس) النفطية. ، 2008-
مدير تحرير الصفحة الاقتصادية، جريدة الحياة ، بيروت، 2005-2006
ريس تحرير نشرة “ميس”، نيقوسيا، قبرص 2000-2004
مدير تحرير نشرة نشرة “ميس”، نيقوسيا ، 1981 -2003
مدير دائرة الاعلام، منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول (اوابك) ، الكويت، 1975 -1980
مدرس، قسم العلوم السياسية، جامعة الكويت، 1973 – 1975
مدير دائرة الابحاث، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1970-1973
جوائز مهنية:
الجمعية الدولية لاقتصادات الطاقة- 1994 – النروج “جائزة الامتياز في الصحافة المكتوبة”
جائزة الملك عبد الله بن عبد العزبز في قمة منظمة اوبك الثالثة. – “جائزة التميز في مجال الصحافة البترولية”، الرياض، 2007
الجائزة الاولى التي قدمتها منظمة اوبك في مجال الصحافة البترولية- 2009 ، فيينا.
* مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية
https://telegram.me/buratha