الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124)، و "وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) جاء في كتاب الامامة ذلك الثابت الإسلامى المقدس للشيخ جلال الصغير: اسرد الشيخ الصغير في مقدمة كتابه الآيتين المباركتين وقال هذا البحث في الأصل هو مجموعة من المحاضرات التي ألقيت على مجموعة من الطلبة الأعزاء ضمن مجموعة أبحاثنا العقائدية التي ألقيناها في مركز البحوث والدراسات الإسلامية في ضاحية السيدة زينب عليها السلام. ما عدا ما سنشير إليه في موضعه. إن هذا البحث يتوخى في الأساس الرد على ما طرح حول الإمامة، وجملة من الثوابت العقائدية، وذلك من خلال سلبها صفة الثبات، وكونها تمثل مرتكزات في المقدس الإسلامي الثابت الذي بموجبه نميز فرقة الهدى من غيرها، ونحدد وفقها معايير التولي والتبرؤ، وإخضاع هذه الأفكار لمستلزمات التحول الفكري القابل للنقاش والجدل ومن ثم الرد والقبول، وذلك بدعوى عدم ثباتها لدى جميع المسلمين. وذلك كما طرحها محمد حسين فضل الله في مقالته (الأصالة والتجديد) المنشورة في العدد الثاني من السنة الأولى لمجلة المنهاج البيروتية: 62 - 65 وأعيد نشرها ببعض التحوير في مجلة المعارج، وكذا ما أوضحه فيما بعد في العدد الثالث من مجلة المنهاج وفي جريدته فكر وثقافة، وكذا كتاب الندوة وغيرها بالصورة التي سنعرض غليها في محله.
قال الله عز وعلا "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4) جاء في كتاب الامامة ذلك الثابت الإسلامى المقدس للشيخ جلال الصغير: الآيتان الشريفتان تمثلان صورة واضحة لعصمة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم عند المسلمين. النص التالي الذي يرى فيه أن النبي لم يك يعرف حقيقة العقيدة بربه في واحدة من أبسط مسائلها حيث يقول في قوله تعالى: "قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ" (الاعراف 143) بعد أن يقرر أن موسى عليه السلام هنا سأل ربه بالمعنى الظاهري للكلام أي أنه طلب وبشكل واقعي أني يرى ربه بنفسه قال ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال، فقد لا نستبعد من ناحية التصور والاحتمال أن لا يكون قد مر في خاطر موسى مثل هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية، لأن الوحي لم يكن قد تنزل عليه بذلك، ولمت يكن هناك مجال للتأمل والتحليل الفلسفي حول استحالة تجسد الإله أو إمكانه، لأن ذلك قد لا يكون مطروحا لدى موسى، ونحن نعرف تماما معنى التكامل التدريجي للتصور الإيماني في شخصية الرسول الفكرية. مع تصوير الشخصية الفكرية والسلوكية لأنبياء الله إبراهيم ويوسف وسليمان عليهم السلام وغيرهم من الانبياء. واستشهد الشيخ الصغير في الذين لا يؤمنون بعصمة الانبياء والائمة بصحيح داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الإسلام، ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنا، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة. وجد أساتذة الحوزة العلمية الأجلاء فضلا عن مراجع الدين العظام أعلى الله مقامهم الشريف في مثل هذه الأفكار المجانية الصريحة عن خط أهل البيت عليهم السلام، فتم التصدي لها ومجابهتها، عملا بالواجب الشرعي الملقى على عاتق عالم الدين لقول صادق آل محمد عليه السلام بسند صحيح: (إذا ظهرت البدع فللعالم أن يظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله).
ان الله عز وجل جنته لمن أحسن التمسك بعروته الوثقى، ويدخل النار من تخلف عن ذلك، وهذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال أن تكون الحجة الإلهية الملقاة على الناس من الوضوح بمكان بحيث تتناسب مع المفهوم القرآني عن العدل الإلهي، فالله جل وعلا لم يخلق الخلق حينما خلقهم ليتركهم سدى هملا "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى" (القيامة 36)، بل أمده برعاية وهداية كاملتين بعد أن أمده بكل مستلزمات الاستفادة من هذه الرعاية والهداية وأوضح له بما لا مجال للبس فيه مآل موقفه من مواقف الهداية والرعاية "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)" (الانسان 2-5) وأوضح أنه لن يظلم أحدا "تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ" (ال عمران 108)، وكذا قوله تعالى: "أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" (ال عمران 195). ونظرا لطبيعة أن الذي لا يظلم عبيده ينبغي أن يوضح أوامره لهم بشكل لا مجال للبس فيه، لذا فإن الله سبحانه وتعالى ولطبيعة رحمته التي وسعت كل شئ لم يكتف بإبلاغ حجته كاملة على عباده، فحسب بل وأرسل رسولا منه ليبلغ هذه الحجة بشيرا ونذيرا، ومن ثم ليكون مصدر رحمة للعالمين، كما وصفه سبحانه "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الانبياء 107). ولهذا عبر سبحانه وتعالى عن أن الحجة البالغة: "قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" (الانعام 149) لكونه سد جميع أبواب الاعتذار أمام عبداه لتفادي اعتذارهم يوم القيامة بأي عذر "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" (الاعراف 172-173) وهذا الأمر من بديهيات العدالة الإلهية.
https://telegram.me/buratha