الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير: قال الله تبارك وتعالى "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" (النمل 40) اعتبرت الآية الكريمة أن آصف بن برخيا قد تصرف بظروف الزمان والمكان ضمن تفصيل سيأتي عما قليل نتيجة ما عنده من علم الكتاب، مع عنايتها بكلمة علم من الكتاب التبعيضية لتشير إلى أنه لم يكن لديه علم من الكتاب إلا بعضه، ولكن كيف الحال بمن يمتلك كل علم الكتاب المشار إليه الآية القرآنية: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) فهذا الرجل ينبغي أن يكون أفضل من آصف بن برخيا منزلة، وكذا في طبيعة قدراته على التصرف بشؤون الولاية التكوينية، ولهذا ليس من الصحيح أن يكون هذا الرجل هو من علماء أهل الكتاب كما تذهب إليه بعض مرويات الع.
من الواضح أن الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو المؤتمن على القرآن، وبالتالي كان هو المطلع على كل أسرار القرآن الذي حوى كل شئ، وفقا لقوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89) ومن هو أولى منه بذلك، ومنه سار الأمر بالتتابع إلى بقية الأئمة عليهم السلام، وإذا ما كان ذلك صحيحا، فإن من البداهة بمكان أن أسرار الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن ثمة قدرات في القرآن تمنح المطلع عليها القدرة على التصرف بالظاهر الكونية كما في قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى" (الرعد 31) وقوله تعالى: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" (الحشر 21)، فإذا كان في القرآن مزايا تسيير الجبال وتصديعها وتقطيع الأرض وتكليم الموتى، فأي مبرر لنا يجعلنا ننأى بعلم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بذلك، هو العالم بكل أسرار القرآن. وإذا كان القرآن قد استفاض في الحديث عن ظواهر الولاية التكوينية، فكيف يمكن لنا أن نتعقل عدم علم الرسول صلى الله عليه واله وسلم بذلك؟ "وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا" (النجم 28). من كل ذلك أن نلحظ حقيقة أن شأن الولاية التكوينية هو شأن استفاض القرآن الكريم في الحديث عنه. يبقى أن نشير إلى أننا هنا كنا في معرض التمثيل والاستدلال وليس الحصر.
يقول الشيخ جلال الدين الصغير: إن سنة المعصوم إن أبلغتنا بشكل قطعي بوجود الولاية التكوينية، قولا أو فعلا أو إمضاءا، فإن ذلك يلزمنا بقبول العقيدة بذلك وفقا لمفاد قوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الاحزاب 36) وبغيره فإن من الصعب تصور عدم خروجنا عن الإيمان بمذهب أهل البيت عليهم السلام، وكيف يكون إيمان بهذا المذهب وأنت لا تصدق بموثوقات الصدور عن الأئمة (عليهم السلام)، ولا تعمل بها، والآن لنعد كي نتعرف على ما في جعبة أئمة أهل البيت عليهم السلام من ذلك. ففي صحيحة علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبي عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (الاسراء 85) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت.وكذا في صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (الاسراء 85) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى، غير محمد صلى الله عليه واله وسلم وهو مع الأئمة يسددهم.
واستطرد الشيخ الصغير قائلا: عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك النبي صلى الله عليه واله وسلم ورث علم النبيين كلهم؟ قال لي: نعم، قلت: من لدن آدم إلى أن انتهى إلى نفسه؟ قال: نعم، قلت: ورثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة والعلم؟ قال: ما بعث الله نبيا إلا وقد كان محمد صلى الله عليه واله وسلم أعلمنه قال: قلت: إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله، قال: صدقت وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير قال: وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقدر على هذه المنازل فقال: إن سلمان ابن داود قال للهدهد حين فقد هو شك في أمره "فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ" (النمل 20) وكانت المردة والريح والنمل والإنس والجن والشياطين له طائعين، وغضب عليه فقال "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ" (النمل 21) وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء فهذا وهو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان، وإنما أراده ليدله على الماء فهذا لم يعط سليمان، وكانت المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه. إن الله يقول في كتابه: "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى" (الرعد 31) فقد ورثنا نحن هذا القرآن فعندنا ما يقطع به الجبال، ويقطع به البلدان ويحيى به الموتى، بإذن الله ونحن نعرف ما تحت الهواء، وإن كان في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاه الله الماضين النبيين والمرسلين إلا وقد جعله الله ذلك كله لنا في أم الكتاب، إن الله تبارك وتعالى يقول: "وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (النمل 75)، ثم قال جل وعز: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" (فاطر 32)، فنحن الذين اصطفانا الله فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شئ
https://telegram.me/buratha