بقلم الطبيب الإستشاري د.طريف فاضل
التسمم بالزئبق حادثة تسمم جماعي بدأت في أواخر عام 1971 في العراق بسبب مادة ميثيل الزئبق التي كانت موجودة في الحبوب التي استوردها العراق من الولايات المتحدة والمكسيك وهذه ليست المرة الاولى التي يحدث التسمم بها بالعراق كونها حدثت وبأعداد اقل في عامي 1956 و 1960 و قبل الشروع بتلوينها .. و في عام 1971حدث التسمم الجماعي الأعظم على المستوى العالمي حيث تم استيراد الزئبق (عفواً الحنطة) ولم يكن الكثير من الناس يجيدون القراءة ومع ذلك لم تكن التحذيرات على الأكياس مكتوبة باللغة العربية بل كانت التحذيرات باللغة الأسبانية والإنكليزية!!، أو شملت رسم لجمجمة سوداء وبيضاء مع عظمتين بدلاً من ذلك ، كانت هذه الرمزية لا تعني شيئاً للمزارعين وربما أعتقدوا ان التحذير أكذوبة حكومية لغرض عدم استعمالها كطعام ولكن الثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة كانت معدومة فأزمة الثقة متأصلة تاريخياً بين الشعب و الحكومات المتعاقبة ..فالتجأ بعض المزارعين لإعطاء حيواناتهم الحبوب الملونة والمعالجة بالزئبق كغذاء و لم يظهر عليها أعراض المرض في البداية بسبب فترة الحضانة الطويلة لحين ظهور الأعراض و رغم أن منظمة الصحة العالمية قد أوجبت تلوين الحنطة المعالجة بالزئبق للقضاء على الآفات الزراعية كإشارة لمنع استخدامها لكن البعض ممن تناولها قاموا بغسل الصبغة الحمراء من الحبوب، فتصوروا انه تم إزالة الزئبق، (إن وجد الزئبق أصلاً حسب تصورهم.).. المهم وسداً للجوع تناولوا الزئبق (عفوا الحنطة المسمومة كما يسميها الناس ) وعلى أثر ذلك أدخل 6530 مريض إلى المستشفيات كحالات تسمم بالزئبق حسب الاحصاءات الرسمية ، وتم الإبلاغ عن 459 حالة وفاة...ويعتقد بل يقينا ان الأعداد الحقيقية كانت أكثر ولم تسجل لأسباب عديدة بسبب ضعف التسجيل أو لأسباب أخرى ..وأصبحت المدارس أماكن لعلاج المصابين القادمين من الريف عندما أكتظت المستشفيات بالمرضى ..وما أشبه حالنا اليوم بالبارحة نبحث عن أسرة لإيواء مرضانا من الكورونا فضلاً عن ذلك لقد كان المتشافون من الحنطة لا يسلمون من مضاعفات في الدماغ بقت معهم طول حياتهم ولم يتم تعويضهم حيث أُلقي اللوم على المزارعين المساكين على اعتبار أنهم حذروهم وأنهم تداولوا المعلومات الخاطئة بسبب قلة الوعي الصحي وليس بسبب غباء المسؤولين ومقصريتهم .
واليوم في 2020 اصبح للدجل قنوات و لازالت المعلومة الصحيحة ضائعة أحيانا لأسباب عديدة ..والثقة معدومة لدى البعض تجاه المعلومة المنشورة من الجهات العلمية أو الرسمية بينما مصداقيتها لدى البعض عالية تجاه المعلومة المنشورة من قبل المواقع غير الرصينة ومن قبل السوشيال ميديا أو العارفة فلانة الفلانية أو غيرها من المعارف والأقرباء...لا زالت الثقافة الصحية دون المستوى كون هناك فئة من الناس لا تزال تصدق مَن يدعون أنهم من ذوي المهنة ووجدوا ترياقاَ شافيا للكورونا دون ان يحصلوا على الموافقات العلمية لأبحاثهم المزعومة ولا زال البعض من الناس لا يعالج الإسهال إلا بالسگوة رغم خطورتها و يفضل علاج اليرقان الولادي بالخرزة رغم ازدياد حالات تلف الدماغ الناتج منه وربما لا يعترفون لحد الآن بالكورونا ولو حصلوا على حنطة معفرة بالزئبق لما ألتزموا بالتحذيرات وربما أعدوا منها طبقا لذيذا يتناولوه هم وأطفالهم المساكين ..و ما أشبه اليوم بالبارحة ..تحياتي
د.طريف فاضل طبيب استشاري أطفال
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)