عباس العنبوري ||
كانت المرة الاولى التي ازور فيها ولاية جوهور في جنوب ماليزيا في رحلة دراسية لاستقصاء الآثار المترتبة على واحدٍ من المشاريع المهمة التي قامت بها حكومة ماليزيا لتحقيق تكامل اقتصادي وثقافي مع سنغافورة عبر هذه الولاية الجنوبية التي تطل على البحر وتحتضن سنغفافورة بين ذراعيها متحديةً ذلك الشريط البحري الذي يفصل بين البلدين (ماليزيا-سنغافورة) من خلال جسرين حيويين يعتبران الرابط البري الوحيد لسنغافورة.
كانت فكرة الرحلة الدراسية تقوم على جمع بيانات عن مدى رضا الناس (public satisfaction) عن هذا المشروع الذي انفقت الحكومة الماليزية فيه الملايين من الرنغت الماليزي. وكانت تجربةً مثيرةً بالنسبة لي ان احضر ورشةً لعرض التفاصيل في الصباح، تلحقها جولةً ميدانيةُ لبعض جوانب المشروع، ومن ضمنها زيارتنا لمجمع جامعي ضخم، شيد ليكون نقطة جذب للطامحين في اكمال تعليمهم الجامعي فيه بدلاً من الدراسة في جامعات سنغافورة باهضة الاجور. مستفيدين بذلك من فارق غلاء المعيشة وتفاوت سعر تصريف العملة بين الدولار السنغافوري والرنغت الماليزي. وهكذا يمكن لولاية جوهور ان تستثمر قربها الجغرافي من سنغافورة التي تقفز اقتصادياً باضطراد مثير، من خلال تحقيق شبكة مصالح تجارية واقتصادية وتعليمية وثقافية. وبالرغم من ذلك الاسى الذي يأخذني يميناً وشمالاً كلما مررت بتجارب ناجحة، تعكس قدرة وامكانية صانع القرار ومنفذه على خلق فرص للنهوض بواقع شعبه، مقارنةً بتجاربنا البائسة المريضة المتداعية. الا انني انزوي –احياناً- بافكاري في البحث عن مكامن الاختلاف التي تعقد مشهدنا السياسي والاجتماعي والثقافي علني اجدُ اجابةً تشفي الغليل، وتجعلني ابرر ولو يسيراً ذلك الفشل والانكفاء الذي نعيشه في تجربتنا السياسية الحديثة. وكثيراً ما تردني اجابات احللها بشفرةٍ غيبيةٍ ميتافيزيقية قد لا تشفي الغليل ولكنها تخفف من اثاره النفسية!
وفي لحظات التأمل تلك وبعد تعب يوم شاق، وقفنا انا و(حكيم) -واسمه الكامل (محمد حكيم)، اذ ان معظم الذكور في ماليزيا اسمائهم تبدأ باسم (محمد)- على كورنيش البحر لنتجاذب اطراف الحديث ونستريح قليلاً. وفي تلك الاثناء قطعت سيارات الشرطة الشارع ليمر موكب من العربات التي تدفعها الخيول، وقد توسطتها عربة ترتفع قليلاً عن غيرها، رفع عليها تماثيل لبعض آلهة الهندوس، وقد تجمع في هذا الموكب حشد كبير من الهنود، القومية الثالثة في ماليزيا والذين يبلغ تعدادهم حوالي 6.3% من تعداد الشعب الماليزي. نظرت الى المشاعل والانوار والزهور ووجهت سؤالي عن طبيعة ودواعي هذا الموكب الاحتفالي الى (حكيم). فقال: انه بمناسبة ذكرى زواج الاله.
اخفيت ابتسامتي وقلت لحكيم: شيء مضحك ان يتزوج الاله!
فاجابني بجدية وحزم لم اكن اتوقعها: ومن المضحك بالنسبة لهم ان تعبد الها لا يمكن ان تراه ولا يمكن ان تلمسه. عليك ان تقبل غيرك كما هو.
اطرقت برأسي وتأملت ملياً وقلت في داخلي: لن استغرب كثيراً من طاقة الانجاز في بلدكم، ما دام الفرد منكم يفكر بهذه الطريقة العاقلة المتعقلة المبتنية على قاعدة "نظير لك في الخلق" فعلاً لا لفظاً وحسب.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)