✍سرى العبيدي||
• جوهر الصراع التاريخي يتمحور حول السلطة، وأُسّ حراك الدولة الحديثة منذ القرن 16 الميلادي هو لإنتزاع السلطة وتقنينها من اختطاف المحتكر لها والمستبد بها، فالدولة كظاهرة سياسية مجتمعية انما أنتجتها نضالات المحكومين لإنتزاع الصلاحيات المختَطَفة من قبل الحاكمين، فقد برهنت حركة التاريخ انّ السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
• صحيح أنَّ الدولة حصيلة تطوّر بنى الإقتصاد والإجتماع والمعرفة والثقافة، لكن تبقى الدولة بالأساس ظاهرة سياسية شكّلتها علاقات «التّحكم الجدلية» بالسلطة والثروة والنفوذ، وطوّرها «صراع الشرعية» بين الحاكم والمحكوم ومديات تمثيل الحاكم للإرادة العامة وتحقيقه لعدالة توزيع الثروة. فتاريخ الدولة يتجلى بحِراك التّنازع والتّحكم لحق «التصرف الشرعي» بالسلطة والثروة بين الحاكم والمحكوم، إلى أن حط المقام بالدولة «معيارياً» ككيان يجسّد الإرادة العامة للمواطنين.
• في الوقت الذي تعتبر فيه الدولة أعلى أشكال السلطة، فإنّ السلطة «مقبرتها» بالمعنى الإستبدادي الاحتكاري، فالسلطة في الدولة الحديثة هي «وظيفة» يمارسها المسؤول بأجر ووفق اشتراطات معقدة ومقعدة على وفق القوانين والمؤسسات، وليست حقاً أبوياً أو بطرياكياً أو ثيوقراطياً أو وراثياً أو ثورياً للحاكم، بل هي حق الأمة تفوض به مَن تشاء وفق إرادتها الحرة وحقوقها الثابتة تحقيقاً لمصالحها العامة.
• تُختطف الدولة بتغييب الإرادة العامة للمواطنين، وتُغيب الإرادة بالإستبداد من خلال مصادرة حق الجمهور بإنتاج السلطات ديمقراطياً. وتُختطف الدولة عندما يتم تجريد مواطنيها من حقوقهم وحرياتهم، وعندما تختل منظومات الحقوق والواجبات بفعل التمييز العرقي الطائفي السياسي.
وتغيّب الدولة بفشل إدارة وظائفها من أمن وخدمات وتنمية على يد السلطات الفاشلة والعاجزة عن تحقيق العدالة والتوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والمصالح العامة.
• وكما تُختطف الدولة باختطاف شرعيتها القائمة على فكرة «التفويض»، وباختطاف مشروعيتها بتحقيق وظائفها، تُختطف أيضاً بالتصحر السياسي الذي يفرضه انسداد الأفق بفعل الشموليات والآيديولوجيات الآسرة للدولة، وبالتلاعب والإبتلاع الحزبي الانوي لكيانها ومصالحها العليا، وبسلب القوة والسيادة من سلطاتها من قبل المجتمع والجماعات،.. كل ذلك يؤدي الى اختطاف الدولة لتغدو سلطة بدائية تتلبس بالدولة زوراً، فتفقد شرعيتها وتنهار وظيفتها،.. عندها تغدو عبئاً على مواطنيها، وما عسى المواطن أن يفعل بدولة مختطفة الشرعية والوظيفة، يتلاعب بها المختطفون لها من أرباب المصالح والمغامرات!! وما نفعها من دولة عندما تغدو مملكة فرد أو اقطاعية حزب أو سوقاً لكارتيلات المال والسياسة!!
• الدولة العراقية قبل 2003م هي إنموذج للدولة المختطَفة لصالح الأنظمة المستبدة والتمييزية والمغامرة، وبالذات نظام البعث/صدام الذي اختطف الدولة بانقلاب لتغدو إقطاعيته السياسية الإقتصادية المغلقة المطلقة، والتي لم يغادرها إلا بتسليم الدولة ركام دم وتخلف وعصبيات واستلاب.
• بعد 2003م خرجت الدولة من فج الإختطاف إلى نفق التشظي، فبدل أن يعاد بناء الدولة على وفق مقومات الحكم الرشيد وبامّة مواطنة موحدة، تم اعتماد معادلة «الحكم التوافقي المكوّناتي الحزبوي» الذي شظى وحدة الدولة على عدد الهويات والمصالح والقوى تحت عناوين الشراكة والتوازن والتوافق، وليصل «التنازع/التشظي» إلى كل ما يتصل بالدولة من هوية وسلطات ومؤسسات ومصالح وتعابير وعلاقات سيادية!!.
• معركة الدولة اليوم تتلخص بتحريرها من اشكال الاختطاف المعلن والمقنّع، وبكسب وحدة سلطاتها وامّتها الوطنية قبال حالات التشظي الاميبي، وهنا يتجسد نضالها،.. فهل تنجح؟
سؤال برسم وعي وتضامن ومسؤولية قوى ونخب وأمّة الدولة.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)