المقالات

علماء ربانييون , ظلمهم الإعلام

1797 02:40:00 2006-11-28

( بقلم : حيدر البابلي )

في مساء يوم الأثنين الموافق 20/11 اختار الله تعالى الى جواره علماً من أعلام الدين والتقى, من صفوة العلماء الربانيين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فكانوا في زمننا هذا أندر من الكبريت الأحمر, فنعى الناعون نجماً سطع, في الأفق لمع .. آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي"ق س", والمتتبع لمسيرة هؤلاء الأعلام يدرك جيداً أنهم سلكوا طريق الصعاب, وتحملوا شظف العيش, وعزفوا عما كان في أيدي الناس, لأن ما ينشدونه أعظم من أية منفعة أخرى, كمال الروح, القرب من الله, فحري على مثلهم أن تبكي العيون, وتضرب أوتاد العزاء, وأن تحزن لهم السماء, غير أن هذه الصفوة كانت رهينة مظالم كثيرة منها ظلامة الحكومات الفاسدة المتعاقبة التي ظلمت وبدلت دين الله فذاق هؤلاء العلماء الأمرين مرارة العيش وشظفه ومرارة الاضطهاد وتعسفه فلم يتركوا كحال غيرهم فضيِّق عليهم حيث وسّّع على غيرهم, وطوردوا من بلد إلى بلد حيث أمن غيرهم حصانة وتوسعة.

نسمع في التأريخ أن أبا العلاء المعري وصف بأنه رهين المحبسين "محبس الدار ومحبس العمى" لكن علمائنا كانوا رهن محابس كثيرة منها محبس الأعلام ومظلمته.ويذكرني هذا بحديث جمعني بأصدقاء تحدثنا فيه عن الساسة الإعلامية التي تسلط أضواءها على شخصيات دون آخرين, فقد ترفع من لا شأن له, وتضع من رفعه العلم.

إن المنهج الإعلامي لاسيما الإعلام العربي يتبع سياسة تخضع لمعايير في التوجه سنأتي على ذكرها. قبل أشهر أذيع في الوسط الإعلامي والأدبي خبر وفاة الأديب المصري نجيب محفوظ, وجرت تغطية إعلامية واسعة حينها حتى مواراته في مثواه الأخير, ويأتي خبر اغتيال وزير الصناعة اللبناني فيطغى على الساحة الإعلامية والسياسية, وما حرص عليه الإعلام من تغطية تفصيلية –تابعتها- لتداعيات مقتله على الوضع السياسي في لبنان.

وشاهد آخر: تصدر الحكومة العراقية مذكرة تحقيق في حق رئيس هيأة علماء المسلمين حارث الضاري فيتسارع الإعلام إلى تلقفه وإذاعته, فضلا عن تأويل هذا الخبر على ما ترتئيه جهة ما، حتى عقدت لأجل ذلك ندوات تتحدث عن حارث الضاري ودوره في رسم المستقبل السياسي للعراق وما يترتب من تداعيات مذكرة التحقيق –وليس الاعتقال كما يزعمون- على مشروع المصالحة الوطنية, وهلم جراً وكما تلحظ أيها القارئ الكريم متابعة ميدانية للإعلام في أدق تفاصيل الحدث لا لأهميته وإنما لأهمية من يرونه مهماًً عندهم,وهي واحدة من المعايير التي اعتمدها الإعلام العربي.

أما خبر وفاة الشيخ الجليل آية الله جواد التبريزي يمر وكأنك لا تسمع له ذكراً أو همساًً, ولعمري فهذه الفضائيات التي غزت الساحة في بثِّ نشراتها الإخبارية, وعقد الندوات, والمؤتمرات, والملحقات السياسية, والتقارير الثقافية والعلمية, وحلقات, وأمسيات في تمجيد فلان وتأبين فلان تراها تكلّّّ وتتعب من أن تذيع خبر وفاة الشيخ التبريزي, أو أنها تستنكف عن ذكره فلا تعبأ له في حياته فكيف بوفاته.وما كنا نطلب منهم سوى خبر عاجل والتفاتة خاطفة –كي لا نرهق الأعلام – يذاع فيه خبر وفاة الشيخ "ق س" لا أن تعقد لأجله الندوات –وهو أجدر بها – فالإعلام صنع ذلك ومجد غيره وتأسف على فقده ممن هو أقلّّّ قدراً وأهون شرفا ولو كان مسيحيا, فجميعنا وجميع العالم سمع –قبل أن يتولى البابا بيندكت السادس عشر الزعامة الروحية للمسيحيين سمعتم بتردي الحالة الصحية للبابا بولص وسمعتم وشاهدتم مشاعر العالم من محبيه ومريديه يصلون له ويدعون له بالشفاء والفضائيات المترامية الأطراف على متابعة متواصلة لنقل الحدث حتى يوم وفاته بل تشييعه, ولا نجد حينها محطة فضائية غربية وإسلامية إلا نقلت حدث وفاته وهو رجل يمثل زعامة ملة أخرى, أما وفاة الشيخ التبريزي"ق س" وهو قطب من أقطاب الطائفة الشيعية فلا يعبئون له ولا على مستوى الإعلان والتصريح فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وإن اللوم أشدّ وأعظم لو علمنا أن في الوسط الإعلامي الشيعي جملة من الفضائيات لم تكلِّف نفسها إذاعة خبر وفاته, نعم أقولها صراحةً سوى فضائية الفرات –التي أذاعت الخبر في الليلة نفسها التي توفي فيها الشيخ "ق س", وفضائية الأنوار التي نعت الشيخ "ق س" في اليوم الثاني, وأسرع الى معرفة الخبر من فضائيات شيعية أخرى فلا أجد له ذكرا وأخص منها بالذكر فضائية السلام, وبلادي, والمسار.. ما هكذا الظن بكم وقد سجّي قبل أيام علم من أعلام الدين والمذهب.

وألتمس المعذرة لئلا يساء فهم الكاتب في لومه وعتابه, لكن عرفان الحب للدين والمذهب والعلم يلزمنا.وربما يقول القائل مستنكراً: إنك تتحدث عن مرجعية دينية تحظى باهتمام طائفة واحدة لا تشكل من المسلمين سوى أقلية وليست هي مرجعية عامة للمسلمين بخلاف شخصية البابا-مثلا- الذي يمثل زعامة أكبر طائفة في العالم كما لا يعد الشيخ "ق س"من الشخصيات الدولية الكبرى ليلتفت الى ذكره او ذكر وفاته.ويردّ عليه: أن قول القائل عارٍٍِِِِ عن الصحة فليس فيما ذكر مبرر أو سبب مقنع ليتغاضى عن ذكر وفاته"ق س", صحيح أن للاعلام معيارية في سلوكه لكن الاهتمام الاعلامي أو التسليط الاعلامي على الشخصيات والأحداث لا يخضع الى معيار الكثرة ولا القلة ولا الشهرة وعلى الرغم من ذلك فشخصية الشيخ التبريزي "ق س" لها موضع قدم في المرجعية الدينية لطائفة لفتت أنظار العالم اليها، ولا أظن الامر صعبا على الاعلام أن يلتقط خبر الوفاة كما يحرص على متابعةً الملف النووي لايران والشيخ"ق س" من ذلك البلد.على الرغم من تخاذل بعض الفضائيات وعدم اهتمام بعض وتباطىء بعض في إذاعة الخبر فلعل السبب الحقيقي أن المرجع الكبير التبريزي "ق س" لم يتصدَ للعمل السياسي في الساحة السياسية طالما قد تصدى إلى ملىء الفراغ السياسي غيره.

ودليل ذلك أن مِن مرجعياتنا مَن تصدى الى العمل السياسي وقد ركز الاعلام عليه اهتمامه وسلّط عليه أضواءه, ويظهر ذلك واضحا للقاصي والداني لما بزغ فجر مرجعية السيد السيستاني في مسرح الحدث السياسي, بل تجد الاعلام يحرص أحياناً على متابعة خصوصيات هذه الشخصية الجليلة كما تابع الاعلام حينها حدث مرض السيد السيستاني"عافاه الله" وسفره الى لندن للعلاج, ومنها دعوته الجماهير المليونية الى المضي قدما نحو النجف لحل الأزمة التي حصلت وقتذاك, فاهتمامها بهذه الشخصية الجليلة اهتمام بواقع الحدث السياسي المرتبط بتأثير سماحته فيه, وهكذا ينظر الاعلام الى سماحة السيد السيستاني بوصفه ثقلاً حقيقياً وفاعلا في المجتمع العراقي ومرجعاً متصدياً لزعامة المذهب لا من حيث وصفه ذا عقلية فتوائية تستنبط الحكم الفقهي, وانما بوصفه عقلية سياسية متصدية للعمل السياسي قد اثبتت جدارة وحكمة في معالجة الأمور, لذا تجد الوسط الأعلامي سرعان ما يتلقف فتوى أو بيان يصدر من سماحته لعلمهم ان له علاقة بالشأن السياسي للواقع الميداني, بينما نجد أن الحيثية السياسية واحدة من وظائف المرجعية لا أن كيان المرجعية يقوم بها لأنك تجد من لا يتصدى للشأن السياسي وملايين ممن يدين له بالتقليد نحو سماحة الشيخ التبريزي "ق س" .

ولا ينبغي أن يفهم هذا التصدي أن نحو من التنافس للزعامة والشهرة-وياللأسف صدر هذا الفهم من الناس – وليعلم القارئ الكريم أن حركة المرجعية في الطائفة الشيعية تمتاز بقوة مركزيتها, وتماسك كيانها, فلا تجد اضطرابا في اتخاذ المواقف السياسية أو تباينا مخلا بالمصلحة العليا للناس فقد يدين الملايين برأي سياسي لمرجع واحد, بل إنك تجد موقفا واحداً لمراجع متعددين على نحو مراجعنا الكرام في النجف الأشرف حيث أفرغت الساحة السياسية لسماحة السيد السيستاني متصدياً فيها, ونحو ذلك في إيران فتجد مجتهدا وقائدا سياسيا يملأ الفراغ السياسي فيعدل غيره عن التصدي له وهو الأقدر والأمكن لكن تصدي غيره يفي بالغرض.نخلص مما تقدم: ان معيارية الاعلام في تقببم الحدث وإذاعته والترويج له والمبالغة فيها أو تسليط الأضواء على شخصية ما تعتمد معيارية الأنظمة السياسية الحاكمة, فسياسة الأعلام لا تخلو من معايير أربع –بحسب ظني- وهي:1- المعيارية السياسية: كأن تكون الشخصية المسلََّط عليها إعلامياًً مما لها نفوذ وأثر في الواقع السياسي, كما ذكرنا مثال ذلك شخصية السيد السيستاني وليس بالضرورة أن تقيم هذه الشخصية لما تمتلكه من قيمة علمية أو قيمة أخلاقية.2- المعيارية القومية: وهي معيارية تقوم على أساس قومي في التسليط الاعلامي, وإعلامنا العربي –ولله الحمد- برع في تمييز الناس وتمجيدهم وتحقيرهم بحسه القومي لأنه يرى في تلك الشخصيات امتداداً للمشروع القومي, مثل عبد الناصر, وصدام حسين ذلك التسليط الاعلامي الذي يحاول ربط القضية الوطنية بالمد القوي, ولا يخفى على المتأمل ما لهذه النظرة من تشكيك, واحتقار لوطنية غيرهم فصنفوا الناس على أساس قوميتهم لا أساس أنا عربي وأنت أجنبي "صفوي", وأبواق اليوم في فضائيات بعينها تذكرنا بأبواق الأمس, فيالله والوطن متى عرفوه ليشكك بغيرهم, وكأن دعاة الأمة العربية هي الأوصياء على المشروع الوطني, وهل غيرهم ذبح العراق في ساحة الحياة في ساعة العسرة. خسئوا لما أسسوا.3- المعيارية المذهبية: وهي أبرز وأخطر المعايير, فربما اجتمع في الشخصية الرصيد السياسي والرصيد القومي فلا يلتفت إليه لأنه ليس من التيار الاسمي العام, ودوننا شواهد التأريخ وكن –أيها القارىء- منصفاً فإنك تلمس تسليطاً إعلامياً واضحا على شخصيات مثل الشيخ القرضاوي والشيخ الطنطاوي والدكتور أحمد الكبيسي وعايض القرني, وهالة إعلامية على آخرين ولا تسمع من الاعلام شيئاً عن الشيخ الوائلي ونحوه وكأنه من ملَّة حرم على الاعلام ذكرها4- المعيارية العرقية:وهو معيار تعتمده السياسة الاعلامية في تسليطها على أساس العرق, والقارئ يدرك تماما ما بلغ به الاعلام من تسليط أضواء الشهرة والتمجيد بأدباء وعلماء مصر.من منّا لم يسمع بالأديب المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988, وكم شخصاً بلغه أن عالماًً عراقيا قد حاز على جائزة نوبل في العلوم الاجتماعية, وكثير منّا سمع بطه حسين عميد الأدب العربي, ولكن العلامة والباحث اللغوي العراقي مصطفى جواد كثير منا يجهله حتى وصف بفيلسوف اللغة العربية, وهل سمعت الاعلام العربي– المنصف- يحدثك عن عالم الاجتماع الراقي علي الوردي, لعلك سمعت عنه, وقد جهله الكثير, لتعلم جور الاعلام في حقّ علماء لديهم من الكفاءة والامتياز ما يفوق هؤلاء .عجبا لسلطة الاعلام أكانت عراقية هؤلاء وصفاً يؤخذون بذنبها, وتهمة ينبغي التخلّي عنها,والحق أقول: ليست عراقيتهم مما حجبت الاعلان عنهم وحالت بينهم وبين تعريف الناس بهم بل مذهبيتهم.وانظروا للمذهب الذي يدين به هؤلاء العلماء العراقيون الذين ذكرتهم تجدوهم شيعة. وذكرنا معيارية المذهب التي تقيَّم ويصنَّف بها الاشخاص, فعلام ذلك؟ لكنه حقد قديم تتوارثه الأجيال وتبنى عليه السياسات ومشاهد الذبح والقتل خير دليل على العداء الدفين أنا لله وإنا إليه راجعون.د:حيدر البابلي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك