عمر ناصر *||
لايوجد في جميع دول العالم دستور مثالي ونموذجي يكون خالي من الاخطاء ولاتوجد قوانين وضعية ترضي مزاج جميع الميول والاهواء لكونها تتصادم في اغلب الاحيان مع قناعاتنا ومتبنياتنا التي نؤمن بها التي قد تضيق نوعا ما على جزء من الحريات العامة او الخاصة لكنها في ذات الوقت تسير مع مصلحة الجماعة باعطاء مساحة من حرية ألفكر والتعبير للرأي المنضبط لسد لبعض الثغرات المجتمعية .
القوانين والتشريعات في جميع دول العالم هي الحارس الرسمي والقانوني لحياة جميع الافراد والمجتمعات وهي الناطق الرسمي الصريح بإسم قوة الدولة والمنظم الوحيد لحياة المواطنين فيها بل هي الضمانة الحقيقية والجدار الفولاذي الذي تستند عليه الحكومات لتجنب اي اعتداء او اختراق لحاجز الحقوق والحريات المنضوية تحت لواء حق حرية التعبير عن الرأي المستندة على اهم مقومات ومبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان ، على اعتبار ان من اهم مواصفات تلك المقومات تمكن في الحرية التي تعني المسؤولية وليس الانفلات وان المواطن هو المصدر الوحيد لاعطاء التخويل المطلق للمُشرع للبت في تلك القوانين والتشريعات التي تمس مفاصل الحياة بصورة شاملة .
لم استطيع ان اضع عنواناً مناسباً لمقالي كي يكون له اثر بالغ ووقع مباشر على المتلقي ولكي يجذب انظار القارئ بقدر اهتمامي بأهمية من ستتقافز عيناه فوق سطور المحتوى الذي هو الغاية الاسمى والقيمة العليا الملامسة للحقيقة ، ولم ادقق بجزئيات ماتمر به السلطة القضائية من ظروف وعوامل مجتمعية وضغوطات سياسية صعبة محيطة بها بقدر تركيزي على تشخيص مواطن الخلل بمهنية احسبها عالية في محاولة لطرح الحلول العملية الناجعة التي تساعد صناع القرار والمطبخ السياسي لاخذ خطوات جريئة لدعم الاستقلال التام للقضاء التي اصبحت مهمته اليوم في اختبار حقيقي تقع بين سندان التهديدات العشائرية وضغط مطالب المتظاهرين ومطرقة الضغوط السياسية من قبل الاحزاب والتيارات السياسية وهذا ما اكده زعيم تحالف الفتح السيد هادي العامري.
في كل مباراة لابد من وجود تسلل ومراقب خط ولابد من جعل وظيفة الحكم هي الانصاف وعدم الميول لكفة على حساب الاخرى ، والجميع يعلم بأن المعنى الحقيقي لانتقاد الحكومات هو ليست جريمة او سلوك مخل بالشرف او حتى جنحة او جناية لكون المعنى الحرفي لهذة المؤسسات هو معنى بصفته الوظيفية وليس المادية اي ولايمكن تأطيرها ضمن الشخصية المعنوية لكون لايوجد لها صفة فيزياوية يمكن اهانتها او التقليل من قيمتها بقدر محاولة تقييم ادائها لان ذلك سيصب قطعاً في خانة المصلحة الوطنية وليس الشخصنة لرموز الدولة وهذا ما يقودنا بالضبط الى امثلة عديدة والقياس مع الفارق وقت اقامة اي دعوى قضائية ضد اي وزارة او وزير فهي عادة ما يكون عنوانها اضافة لوظيفته حسب فهمي البسيط للموضوع.
البعض من المختصين يدركوا ماذا تعني اهانة السلطات او الاعتداء على موظفي الدولة ولكنهم لحد اللحظة ليس لديهم فهم مطلق بمعنى اهانة الحكومة وهنا تقع الكرة في ملعب مجلس النواب ليكون لهم وقفة حقيقية من المادة ٢٢٦ من قانون العقوبات التي بدأت تستخدم كوسيلة للضغط والتسقيط السياسي بسبب عدم وجود تفسير منطقي وواقعي لها يقع ضمن اطار واضح المعالم يجنب السلطة القضائية الوقوع في الخطأ او فخ المتربصين من السياسيين الذين يسعون لزيادة الفجوة والهوة بين القضاء والطبقة الشعبية خدمة لمصالحهم.
على سبيل الحصر الرئيس ماكرون سياسي واي سياسي غيره يتوقع ان يكون له خصوم ممكن ان تصدر منهم اي تصرفات تجاهه الا ان القاضي ليس بسياسي ولا ينبغي ان يتعرض لاي نوع من انواع الاهانة او الضغط لان استقلال القضاء هو ليس مطلب قضائي بل مطلب شعبي واي مساس باستقلاليته يفترض ان يستفز الجميع وفي مقدمتهم صناع الرأي العام من اعلاميين ومثقفين وكُتاب وغيرهم ورغم ذلك كان للقضاء الفرنسي الكلمة الفصل ولم يتعرض لضغوط او تهديدات من عشيرة البو لويس السادس عشر.
وبأعتقادي ينبغي اليوم بمجلس النواب اعادة النظر ودراسة هذه المادة من جديد واخذ تفاصيلها وظروفها ومسبباتها لاجل ايجاد حل جذري لها يكون اما بالالغاء او بالتعديل كي لا تستخدم كسلاح ذو حدين لتسقيط الخصوم والايقاع بهم كون الدستور اليوم هو المرجع الوحيد التي تقع تحت مظلته جميع قوانين الدولة المستندة للديموقراطية التي هي من اهم مقوماته، وعليه موضوع التعامل بانتقائية في تطبيق هذه المادة يتعارض كلياً مع مبادئ وتطبيقات الديموقراطية في العراق والدول المتقدمة ويعني خرق لبند من بنود الدستور وهذا بالضبط عكس ما تعمل به الدول انفاً التي تؤمن ايماناً كلياً بحرية الرأي ، فالذي يود ابداء الرأي هناك لايعتبر مجرم او يحاسب على ذلك الا اذا كان فيه تعدي شخصي ويحط من قسمة ومكانة الطرف الاخر ، ولان انتقاد رئاسة الدولة او الحكومة او المؤسسات لايضر بها قدح او مدح اي في حال انتقاد مؤسسة رسمية او دائرة حكومية فهذا يعني اننا نتحدث عن كيان ولانتحدث عن اشخاص يصيبهم ضرراً حقيقياً جراء ذلك .
بسبب ضعف القانون وتعدد مصادر القرار وعدم وجود فصل حقيقي بين السلطات بدأت بعض الاصابع الخبيثة التي تقف خلفها بعض الجهات السياسية تدفع بإتجاه التقليل من هيبة القضاء وبشتى الوسائل والطرق لتشارك بهذه الجريمة بعض الفضائيات المؤدلجة والافواه المأجورة والاقلام الصفراء كعامل دعم اضافي يضغط باتجاه تقليل هيبة السلك القضائي او القضاة بل لا يستبعد اطلاقاً وجود معاول من داخل السلطة القضائية او التشريعية هي من تساهم في تحطيم اسس الديموقراطية ولديها بصمات في دعم هذا المخطط الغير بريئ .
ولنفترض وجود اشارات او ملاحظات على السلطة القضائية فهذا لايعني بالضرورة ان جميع العاملين في هذا المفصل الحيوي والحساس لديهم تلك الاخطاء ومن التجني الاخذ بجريرة الاخر من حيث المبدأ ، بل ينبغي ان يأخذ المواطن الحيطة والحذر وان لايقع في فخ تشويه سمعة القضاء التي هي اليوم تتعرض لاكبر هجمة شرسة خبيثة هدفها الاطاحة برمزيته امام نفسه وامام المجتمع بأسره وهذا ما يطمح الوصول اليه الانتهازيون والوصوليون من اجل ان يتسيد الفساد عرش القرار في جميع مفاصل الدولة .
انتهى …
عمر الناصر / كاتب وباحث في الشأن السياسي
https://telegram.me/buratha