الشيخ الدكتور محمد علي الدليمي ||
الكثير من الناس على اختلاف توجهاتهم ومقاصدهم ومشاربهم يعرفون الشيء البسيط عن هيكلية ومعنى الحوزة العلمية وماذا يقصد من هذا المصطلح..
ولاشك أن الحوزة العلميّة تعتبر من حيث الأهمية والقدسيّة والنتائج المترتبة عليها ــ المؤسّسة الأولى بعد الإمامة والولاية من حيث الرعاية والإهتمام بحفظ الشريعة الحقّة من الضياع أو الإنحراف، وتوجيه النّاس إلى الوظائف الشرعيّة والعقائدية ، وبيان السلوك الفردي والإجتماعي الأمثل ليحافظ على إعتدال الشريعة المقدّسة والمتشرّعين من ظاهرة التطرّف ، أو الإنحراف عن جادة الصّواب .
ولعلّ أصل فكرة الحوزة وتاريخها مرتبط ببناء قاعدة ثقافية وفكرية قويّة تتحمّل حفظ وضبط الرّسالة الإسلامية ، ومن ثم نشرها لمختلف أنحاء العالم .
وتشير الآية الكريمة، فيما يرتبط بموضوعنا إلى وجوب التفقّه والتعلّم من أجل معرفة الأحكام الإعتقادية والوظائف الشرعيّة العمليّة وتحمل مسؤولياتها.
وكان أهل بيت رسول الله (ص) أكثر الناس إهتماماً بأداء هذه الوظيفة الشرعيّة والإنسانية، حتي انتشرت حلقات كثيرةلمدارسة الأحكام الشرعيّة بالمعنى الأعم في عصرهم وعلى أيديهم.
وبلغت هذه الحلقات والمدارس ذروتها من حيث المحتوى والمضمون العلمي في زمن الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق (عليهما السلام)، وهكذا استمرت بعد زمان الأئمة (عليهم السلام) على مر العصور إلى زماننا هذا .
ويجدر الإشارة إلى أنّ دراسة العلم على طريقة الإجتهاد المتبعة في الحوزات الشيعية قد تأسّست في القرن الرابع الهجري في مدينة قم وريّ على يد علماء أفذاذ منهم ، الشيخ الصدوق ووالده ، و الشيخ الكليني ( قدس الله أسرارهم ) حتى انتقلت في القرن الخامس الهجري إلى بغداد ، حيث كان فيها حضور ألمع فقهاء المدرسة الشيعية، كالشيخ المفيد، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ( قدهم ) .
ومن ثم إنتقلت إلى النجف الأشرف بعد أن هاجر إليها الشيخ الطوسي ( سنة 444 هـ ـــ 1027 م ) ، وأسّس الحوزة العلمية العتيدة فيها فكانت ولحد الآن من أهم المراكز العلميّة والإشعاعات الفكرية على صعيد العلوم الإسلاميّة والشيعيّة.
وكانت هناك حوزات علميّة قد تأسّست في مدن أخرى في العراق، كالحلة وكربلاء وسامرّاء، وغيرها، واستمرت لفترة.
وتعتبر الحوزة العلميّة في النجف الأشرف من أكثر الجامعات الإسلاميّة غنىً وسابقة ، حيث حافظت على نشاطها العلمي في أعلى المستويات في هذه الفترة الطويلة من تاريخها المشرق وتستطيع أن تفخر بحرّية التعليم ، والعمق العلمي ، وتطبّع شخصيّة منتسبيها بطابعها المتميّز ، حيث لايخضع نظام التعليم فيها لنفوذ الدولة ، ولايموّل من قبلها ، ولاهيئة من خارج الحوزة تسيطر عليها ، أو تقوم بإدارتها ، وأنما يستطيع أيّ فرد مهما كان عمره ، أو مستواه الثقافي أن ينضم ّ إليها، حيث لا قانون يديرها ، أو ينظّمها غير الوازع الديني ، والإنضباط النفسي . .
وهذا ما لا نجده في الجامعات الحديثة .
انها واقصد الحوزة العلمية غرف للتفكير المنضبطة بقواعد ومباني عقلية وفقهية وتاريخية ولغوية وبلاغية..
لا تاخذ محتوها من الغث والمتشابه بل راضخ للتحيق والفحص والمراجعة والتصحيح وقبول الاراء للبحث وان كانت مخالفة.
انها مدراس بنيت على أسس مدروسة تصلح لكل الازمنة وان تغيرت بعض أطرها العامة..
احاول ان اسلط الضوء بمقال لاحق عن الدراسات الحوزوية وكيفيتها..
لتعم الفائدة والتوفيق من الله تعالى..
https://telegram.me/buratha