المقالات

ما الذي أبقته المليشيات الإجرامية لصدام المقبور ؟

1148 14:44:00 2008-06-23

( بقلم : الدكتورة سناء الحربي )

لم يمضِ وقت طويل بعد إسقاط صدام حسين و نظامه البائد حتى بدأت أعمال العنف و راحت تحصد أرواح العراقيين دون استثناء و كان من وراء حدوثها و تأجيجها و كل قسوتها التي رسمت مشهدا مخزيا لما يمكن أن يفعله الإنسان بأخيه الإنسان هو ثلة من بقايا أجهزة القمع و الظلم البعثي الصدامي و حفنة من الشواذ و المعقدين و المرضى العرب الذين هبوا لتقطيع أوصال الشعب العراقي و استباحة دمه و عرضه و هتك كل حرماته . عندها وجد القومجيون و البعثيون و أولي الكوبونات النفطية الشهيرة فرصتهم الثمينة ليس في مهاجمة الوضع الجديد و ما آل إليه من تغيير جذري في النظام السياسي بما يكفل حقوق جميع العراقيين دون استثناء و ما من شانه إشاعة العدالة و إعطاء كل مكون استحقاقه و حقه بل إن الأكثر و الأهم هو تبرير مخازي النظام و تبييض صفحة صدام السوداء وجدوا في المقارنات الساذجة بين مشهدي ما قبل السقوط البعثي و ما بعده فرصة للتشنيع على العراق بصورته الجديدة و اصطناع عصر ذهبي للعراق كان في عهد النظام الطاغي خلال ثلاث حقب مدمرة لم تحمل سوى الخراب و القتل و الإبادة الجماعية . و لا أحسب أن أحدا سينسى يوما مهرجي الجزيرة و تيارها المعاكس الذي يتلقف كل من هب و دب من الشذاذ و أبواق البعث الحاقدة و دهاقنة الطائفية بشقيها الديني و السياسي و ما طرحوه من تبريرات لنظام صدام الذي كان فيه الأمن مستتبا و القتل أقل بكثير مما يحصل الآن و .. الخ !! و كثيرا ما رد المخلصون و ذووا الضمائر الحية و المدافعون بحيادية عن الحق و الحقيقية بأن هذه المقارنة مقارنة بائسة و لا أخلاقية بالمرة ..

فهل يفتخر إنسان بنظام كونه أقدم على قتل الأبرياء و لكن عددهم أقل مما يقتل بعد سقوطه و لهذا تخلى مسئوليته و يصبح عهده من أزهى العهود بل هو عهد ذهبي للعراقيين ؟ و هل إن مكان القتل يغير شيئا من معنى القتل و الطغيان فيكون المقتول في المعتقل غير المقتول في الشارع و من يضرب حد الموت أو يتم إذابته بأحواض التيزاب غير من يتحول إلى أشلاء على الأرصفة ؟؟ و بقدر ما كان هذا الطرح السخيف يكسب المزيد من المؤيدين له في الشارع العربي للأسف الشديد كان المواطن العراقي غير مهتم إلا بهمومه اليومية و ماساته الحاضرة و هي طبيعة مغروسة في الإنسان فهو ابن لحظته و المصيبة الحاضرة أقسى عليه من مصيبة سابقة .. و لكن مع هذا لم يكن المواطن العراقي في وارد نسيان الماضي و آلامه و ليس له أن يقتنع بالتبرير المعيب و المخجل الذي تردده أبواق البعث الفارة إلى أحضان أسيادها و أرباب نعمتها . ليست الحقيقة حقيقة الماضي لتعاني على يد العراقيين و لا تخشى من أن تُغبن على أيديهم فمهما طال الزمن و طرأت الحوادث المزلزلة فإن تلك الحقيقة لن يهوّن منها شيء و لن يلغي حصولها و قسوتها يوم قريب أو بعيد و ذاكرة الشعوب هي الأقوى ومن تعرضوا إلى ظلم و طغيان صدام ملايين لا أفراد و كل المكونات و الفئات لا مكون أو فئة دون غيرها و إن تفاوت مقدار الظلم الذي سلّط عليها .

في مقابل كل ذلك فثمة حقيقة أخرى تقول " إن الاشتراك في الجناية يخفف من بشاعة فعل الجاني الواحد و ربما يقلل من مسئوليته " .. هذا ما يخشى منه على التاريخ العراقي و أن يصبح فعل صدام فعلا مشتركا بينه و بين من انتهجوا نهجه و ترسموا خطاه و قاموا بكل ما قام به هذا الطاغية . و اقرب هؤلاء المشتركين في الجريمة ضد الشعب هي المليشيات المسلحة و عصاباتها الإجرامية لا سيما مليشيا جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر بلحاظ أن أبشع ممارساتها تقع في أماكن مارس فيها النظام أبشع ممارساته و جرائمه . ... لقد أدمنت هذه المليشيات قتل كل من يعارضها .. و كذالك فعل صدام ..لقد عسكرت المجتمع و شرّع قادتها حمل السلاح و توجيهه لصدور العراقيين .. و كذلك فعل صدام لقد فتحت لها مكاتب " مقدسة " محروسة بحراس غلاظ و من يجرؤ على أن يقترب من مكتبها المقدس .. و هو صالة تعذيب معدة بكل ما لذ و طاب لهم من وسائل التعذيب و القتل .. و هو معتقل لطمر الأبرياء فيه .. و كذلك فعل صدام في مقراته الحزبية و فروعه في كل محافظة .. لقد خطفت الناس و بالجملة و غيّبتهم إلى الأبد و ما زال بعض العجائز و الأمهات يتشبثون بأمل واه لعودة أبنائهم كما كانوا في عهد صدام .. لقد حاولت بكل جهدها دق إسفين التناحر بين المكونات العراقية و تبادل جيش المهدي و القاعدة الأدوار لتحقيق هدف مشترك بينهما و العمل لأجل مصالحهما الخاصة .. و كذلك فعل صدام و جلاوزة نظامه البعثي لقد فرضت الإتاوات على المواطنين و قاسمتهم حتى ابسط الموارد التي يكدح بعض الكسبة ليل نهار في سبيلها .. و كذلك كان صدام و أبناؤه المقبورين  لقد ... و لقد ... و لقد ..

و أخيرا تتجلى بقوة حقيقة لم يعد لأحد أن يكابر فيها تلك هي مقابر جماعية لجيش مقتدى قاموا بقتل و دفن عشرات بل مئات الناس من مدينة العمارة فيها .. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تكتشف فيها مقابر أبدعها عناصر جيش مقتدى و غيّبت في جوفها عشرات الناس إلا أن هذه المقابر المكتشفة أخيرا لها خصوصيتها فهي في منطقة عانت من ظلم صدام لا لشيء إلا لإخلاص أهلها و تشبثهم بدينهم و مذهبهم و أبوا أن يعطوا يدهم لصدام إعطاء الذليل و جاهدوا حتى رزقوا بأن يروا نهاية الجلاد أمام أعينهم و كذلك كان شأنهم من ةجيش مقتدى الصدر و سبحان الله الذي رزقهم ثانية كالرزق الأول و جعل يوم انهيار هذه العصابات أقرب مما كانوا بحسبون ..نعم لقد كان أهل العمارة غير متوقعين أن يأتي من بين أظهرهم من يلبس قناع الولاء الزائف للمذهب و يدعي نصرته للإمام المهدي و أنه بصدد التمهيد له عن طريق قتلهم و استباحة كرامتهم و ذبح كل من لا يردد المعزوفة البديلة لحفظه الله و رعاه التي سمعتها كل أذن و كرهتها فضلا عن مخالفتها الشرعية ..

لم يبقِ جيش مقتدى الصدر لصدام من رذيلة إلا و جاء بها و لا من جناية إلا و ارتكبها بحق الشعب العراقي و لا من خزي و عار إلا و أبدع فيه كل إبداع .. و هذا ما يخيف الكثيرين فهي أعمال سيسجلها التاريخ في أحلك صفحاته سوادا و ربما تحسّن قليلا من مخازي صدام و نظامه . و بقاياه الآن هم اشد من يمتلأ فرحا لها و هذا هو سرّ دفاعهم عن مقتدى و تياره و كيل المديح له و مهاجمة القوى الوطنية المخلصة بحق للعراق و أهله و التي لم تتلطخ أيديها بقذارة ما تلطخت به أيادي مقتدى و عصاباته الفاجرة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك