المقالات

في ضوء الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاده ما الذي ميز شهيد المحراب عن غيره من رجالات العراق؟

1296 14:56:00 2008-07-05

( بقلم : علاء الموسوي )

لا يمكن لاحد ان ينكر عظمة الرحم العراقي الذي اولد الالاف من رجالات العلم والفضيلة والحكمة، حتى اخذ يوصف ببلد الانبياء والاولياء والعلماء، ولعل تعاظم البلاء والمحن على العراق وشعبه، كان وراء تلك النعم الوفيرة التي اراد الله سبحانه وتعالى ان يختبر بها عباده الصالحين، ويمتحن صبرهم واخلاصهم لرجالاتهم، ومدى استعدادهم للمضي قدما في نشر ما حملوه من مبادئ وافكار سامية. منذ بزوغ الفكر السياسي في العراق ونضوجه في اوائل القرن العشرين كانت للحركة الاسلامية الدور الفاعل في بلورة هذا الفكر وفق رؤى وتطورات المنهج الاسلامي الرصين، مع احترام كل الثوابت الوطنية التي اجتمعت عليها الاحزاب السياسية ذات التوجهات المختلفة في الطرح والاسلوب. فقد قام الغرب في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وبعد سقوط الدولة الاسلامية بتنفيذ خطة واسعة الابعاد، هدفها التأكيد على نقطة مركزية مهمة وهي (زرع اليأس والقنوط من امكانية تطبيق الاسلام وقدرته على معالجة المشكلات المختلفة التي يواجهها الانسان في عالمنا اليوم، مستغلين الى ابعد الحدود حالة الانحطاط التي شهدتها الدولة الاسلامية في اواخر حياتها من ناحية، والامة الاسلامية من ناحية اخرى).وبذلك يتحقق هدفهم بابقاء المسلمين تحت سيطرة القوى الكبرى في مجال الحضارة الانسانية والفكر والثقافة، فضلا عن الهيمنة السياسية والعسكرية. ونتج عن ذلك مجموعة التحديات الاسلامية التي تواجهها الحركة الاسلامية، مدعين ان الاسلام يقف عاجزا امام هذه التحديات، لاسباب مختلفة ترتبط بالنظرية الاسلامية، او بالوضع الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون او بالاوضاع والعلاقات الدولية، او بالامكانات والقدرات التي تملكها قوى الكفر والضلالة.

من هنا نلمس ميل شهيد المحراب(رض) الى اعطاء الاهمية، بل الاولية لمصلحة الاسلام، ففي كل مقطع ومشروع تحرك فيه (رض) كانت مصلحة الاسلام هي العنوان الرئيس الاول الذي يتحرك من اجله. ويظهر تأكيد شهيد المحراب(رض) على مصلحة الاسلام جليا عند تناوله معطيات الحركة الاسلامية، وادراكه لضرورة صب الجهود كلها من اجل تحكيم الاسلام في الحياة الاجتماعية للامة. ولم يقتصر اهتمام شهيد المحراب على ذلك قط ، وانما شمل اهتمامه ترسيخ وتجذير الفكر الاسلامي السياسي على الواقع الحياتي للامة الاسلامية، مع سعيه ايجاد لرفع المغالطات التي وقعت فيها الكثير من الحركات الاسلامية، نتيجة الفهم الخاطئ للحراك السياسي الاسلامي في العراق، ولعل ما يميز شهيد المحراب عن غيره من زعماء الحركات الاسلامية والسياسية في العراق، هو فصله للخطاب العقائدي عن الخطاب السياسي والتمييز بينهما. وذلك لادراكه (رض) ان من اهم المشكلات الرئيسة التي وقعت فيها تلك الحركات، هي انها عاشت فترة من الزمن- بما يسميه البعض- بالمرحة الثقافية الفكرية، التي تعمقت في وجود الحركة الاسلامية واشخاصها.

فعندما ارادات الانتقال الى المرحلة السياسية وقعت في خطأ كبير، اذ بقيت اثار الخطاب في المرحلة الثقافية واضحة في خطاب المرحلة السياسية، بحيث لم يتمكن ابناء الحركة الاسلامية ان ينتقلوا بخطابهم الى المرحلة السياسية بكل معالمها، فبدلا من ان يتحرروا من قيود المرحلة الثقافية، ظل خطابهم السياسي هو نفس ذلك الخطاب الثقافي الاثري.

المشروع السياسي الذي كان يحمله شهيد المحراب(رض)، والذي بقيت اثاره ورؤاه الى يومنا هذا، هو بحد ذاته الخصوصية التي تميز شهيد المحراب(رض) عن غيره، فالسؤال الذي يطرح نفسه، ولعله في خواطر الجميع منا، لماذا لم ينته مشروع الحكيم باستشهاده، مثلما انتهت وتلاشت الكثير من المشاريع السياسية بانتهاء رموزها ومنظري حراكها السياسي؟؟. المشروع الذي حمله شهيد المحراب(رض) لم يكن مشروعا فرديا امتزج باهواء سياسية حزبية لفترة معينة من الزمن، وانما كان هذا المشروع هو مشروع الامة باختلاف اطيافها وتنوعاتها الفكرية. كما ان الخصوصية العراقية التي رسمها (رض) في لب مشروعه السياسي هي التي كانت الرافد الروحي الذي يدب الحياة فيها على مر السنين، وسيبقى مشروعا كاملا لامة عانت من الضيم والقهر نتيجة غياب رجالات الفكر والسياسة عن رسم مشروعها وتطلعاتها نحو المستقبل. لا نريد الخوض في ادبيات المرحلة التأريخية للحراك السياسي في العراق، بقدر الاشارة الى المقطع الاخير من المنعطف التأريخي الذي حصل في العراق بعد التاسع من نيسان، والتي كانت الساحة فيها واضحة للمتتبع الحصيف من معرفة الرجل الحقيقي الذي استطاع ان يرسم المشروع العراقي الجديد، بعد هيمنة نظام فاشستي لاكثر من ثلاثة عقود من الزمن، سبقتها مراحل زمنية اشتد فيها الصراع السياسي بين الاسلام الحقيقي والفكر الاستعماري في المنطقة. طروحات شهيد المحراب(رض) في خطبة الاربع عشر، كانت المرآة الحقيقية لما كان يهدف اليه تياره المبارك في مرحلتنا الحالية، فالشراكة السياسية، والكفاءة الوطنية، والسيادة والاستقلال، وبناء البلد واعماره والدعوة الى بناء دولة القانون والمؤسسات و......، كانت من مصاديق مشروع الحكيم الذي رسم الخارطة السياسية لعراق تعددي فيدرالي يشترك فيه الجميع تحت خيمة المحبة والاخلاص العراقي الواحد.

لقد طرح (رض) كل الاشكالات والعواقب التي ستواجه الحراك السياسي الجديد في العراق، فضلا عن طرحه لعلاج تلك الاشكالات، وتفادي الوقوع اسيرا في شباك تلك العواقب والمنغصات. ومن الممكن لاي باحث سياسي او متتبع لذلك ان يلاحظ بوضوح ما طرحه شهيد المحراب في خطبة السياسية التي كان الارهاب فاصلا عن اكمالها الى يومنا هذا. ولو كان رجالات الحكومة العراقية اليوم، الالتزام بكل ما طرحه (شهيد المحراب) في تلك الخطب والمحافل الثقافية والسياسية، لما وصلنا الى حالة الشد والجذب بين رؤى الديمقراطية التوافقية، وآلياتها السلبية، التي جعلها البعض بديلا عن الدستور الذي كتبته الاصابع النقسجية في يوم تحديها للارهاب العالمي بشتى انواعه وجحافله. اذ بين (رض) اليات الشراكة الحقيقية في بناء دولة القانون والمؤسسات، واوصي باتباع نهج الولاء للدولة وجعله فوق كل الاثنيات الحزبية والعرقية، داعيا الى اعتبار الكفاءة والنزاهة في المنصب الحكومي، هو السبيل الوحيد لاختيار شخصية المسؤول في توليه زمام الرعية، كما ان الاسراع في بناء المؤسسات الحكومية والخدمية، كما دعا اليه (رض) هي المدعاة الحقيقية والسبيل الانجع لتحقيق السيادة الوطنية، واخراج قوات الاحتلال من ارض العراق. وهذا بحد ذاته، كان الرؤية الحقيقية التي اعترفت بها امريكا والقوات البريطانية منذ دخولها العراق والى يومنا هذا، وهي من الاسس التي بنيت عليها الادارة الامريكية في خطابها السياسي ومشروعها القاضي باستعمار الدول الضعيفة التي تفتقر الى المؤسسات القوية، والبنية التحتية لمشروع دولة القانون والدستور. ما كان يطرحه (شهيد المحراب) لم تكن مجرد خطاب اراد ان يلقيه(رض) في مكان معين، او استثمار حالة زمنية معينة، وانما شهيد المحراب كان مصداقا حقيقيا لمشروع اسلامي وطني متكامل، يتطور يوما بعد اخر وفق تطورات المرحلة الحراكية للعالم اجمع، وهذا بحق ذاته ما جعلنا نقول جازمين بان العراق لم يخسر شخص الحكيم وفكره فقط. وانما العالم الاسلامي حرم من ذلك الفكر المعطاء والشخص النخبوي الاصيل، الذي رسم بطروحاته ومشاريعه، رؤى وتطورات الحراك الاسلامي في بناء النظام السياسي الذي لا يختلف عن اهدافه وتطلعاته بقية النظم السياسية التي حكمت العالم لقرون عديدة ،وفق احترام الانسان وتطلعاته في بناء مستقبل زاهر ينعم فيه الجميع بلا استثناء لمكون او شريحة من الناس.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك