( بقلم : باسم حاتم الحطاب )
لم أر في حياتي اسود و لا أسوء من الأيام السبعة في العراق كتلك الأيام التي يعرضها علي عبد الأمير عجام في برنامجه الأسبوعي (7ايام) من على قناة الحرة عراق . فمقدم البرنامج الذي يقضي ما يقارب ربع مدة البرنامج بـ (تأتأته و مأمأته) التي لا تكاد جملة في كلامه تخلو منها الأمر الذي يذكرني بالرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في خطاباته التي كنت أتابعها في وقتها عبر الإذاعات العربية و العالمية حيث كان أيضا يقضي نسبة كبيرة من الخطاب بتلـــكؤه في الكلمات .و لو كان السادات مذيعا لطردته تلك الإذاعات ، اما علي عبد الأمير عجام فأرى ان قناة الحرة عراق ما زالت متمسكة به رغم التلكؤ الواضح و صعوبة إخراج الكلمة برغم ان الفضائيات دائما ما تختار المذيع او مقدم البرنامج على أساس لباقته و سرعة اختيار المفردة هذا اذا كان البرنامج حيا اما اذا كان مسجلا فأتصور ان مدة أسبوع كافية لأن يتدرب على إلقاء و اختيار المفردات ، لكن الظاهر من الأمر انه يمثل سياسة هذه القناة التي قد لا يستطيع غيره ان ينهض بها .و بالعودة الى البرنامج فاني و من خلال متابعتي للكثير من حلقاته التي تعرض بعد الساعة التاسعة من مساء السبت و تعاد لمرتين في اليوم التالي في اغلب الأحيان ، فاني لم أر و لو لمرة واحدة صورة جميلة للعراق الجديد ، ليس هذا فقط بل حتى الصورة الجميلة في البرنامج تتحول الى صورة رديئة ليؤخذ منها جانبا سيئا يتم التركيز عليه و يترك الباقي دون أدنى تعليق ، و كأن هذا البرنامج تم إعداده لينقل الصورة المعتمة و القاتمة لعراق ما بعد صدام حسين ليس بسبب ان صدام حسين هو الأفضل في نظرهم لكن السبب ان الذي جاءت به ملحمة الانتخابات الى سدة الحكم لا يتوافق مع آراء و أيديولوجية مقدم البرنامج و بالتالي لا يتوافق مع أيديولوجية قناة الحرة عراق .
و دائما ما يلتقي مقدم البرنامج بضيف هو في اغلب الأحيان محلل سياسي او كاتب (مستقل) او باحث و أكاديمي ، و لم يستضف البرنامج أي محلل او كاتب الا و كان أيضا يرى من خلال نفس العدسة السوداء التي ينظر من خلالها السيد عجام ، و من نفس السنخ ، و كأن المحللين و الكتاب اتفقوا جميعا على نفس الرؤية و نفس الزاوية التي يتطلعون منها الى العراق الجديد . و المشكلة الأكبر من ذلك ان مقدم البرنامج و ضيوفه هم دائما يقطنون في واشنطن و ليس منهم احد يقطن في العراق ، هذا فضلا عن ان اغلبهم (يتأتئون و يمأمئون) كمقدم البرنامج .
اما بالنسبة للتقارير التي تعرض خلال البرنامج فإنها دائما تستعرض آراء لشخصين او ثلاثة او ربما أربعة أشخاص ناقمين على الوضع و اعتقد ان غيرهم يتم اقتطاعه في المونتاج ، و كذلك بالنسبة للتصوير المحترف لمصوري قناة الحرة عراق فهو يترك صفحة بيضاء كاملة ليصور نقطة سوداء على هذه الصفحة و يتم تضخيم هذه النقطة فلا يرى المشاهد غيرها .
و يشن مقدم البرنامج بمناسبة او بدون مناسبة هو و ضيوفه حملات شعواء بشكل مباشر او غير مباشر على الاسلاميين و التيارات الإسلامية التي جاءت الى دفة الحكم بعد الانتخابات الأولى و الثانية ليلقي عليها اللوم في كل ما يحدث في العراق سواء أكان ما حدث في العملية السياسية ام في الحالة الاقتصادية او الاجتماعية الى غير ذلك ، بل يحوّل حتى النجاح في أمر ما الى اتجاه آخر لا يلتقي في حال من الأحوال مع منهجية الإعلام الملتزم .
و من باب الإشارة لا التحديد اذكر مثالين بسيطين من الحلقة الأخيرة التي عرضت يوم السبت 2/8/2008 واترك فقرات البرنامج الأخرى حتى لا يطول الحديث ، فالمثال الأول هو خبر زيارة الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه التي سارت بأحسن ما سارت عليه زيارة من الناحية الأمنية و التنظيمية و الخدمات في المجال الصحي و الطعام و الشراب و غير ذلك من المستلزمات عدا مسألة النقل التي لم يرض عنها أي فرد لا من الحكومة و لا من المواطنين و لا من الأحزاب و الحركات الاسلامية ، فاظهر في تقريره شخصا يقول لو كنت اعلم انه لا يوجد وسائط نقل لما أتيت للزيارة متجاهلا الملايين التي أتت سيرا على الأقدام و لم تعبأ بوجود أزمة نقل . و هذه الزيارة كانت و لا زالت هي إحدى الشعائر التي يمارسها أتباع أهل البيت عليهم السلام في كل عام منذ استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام و الى يومنا هذا . ثم ما دخل الطائفية في هذه الشعيرة و ما دخل المحاصصة فيها ؟ نعم لقد كان رأي مقدم البرنامج و ضيفه ان هذه الزيارة هي عبارة عن امر يدخل في برنامج الأحزاب الدينية الحاكمة لتجييره لمصالحها أو لاثبات الأغلبية الشيعية في العراق و كأن زوار الإمام هم جميعا تم تحشيدهم لهذا الغرض . اما قوله بان المناسبات الدينية الشيعية هي مائة مناسبة فلا اعلم هل هو شيعي و أحصى هذه المناسبات ام ذكر العدد ليثبت ان ثلث السنة كما يقول يذهب هباءا .
و المثال الثاني هو فقرة شخصية الأسبوع عن الطالبة المتفوقة هدى عدنان طالبة إعدادية العشار للبنات في البصرة و الأولى على العراق في الدراسة الإعدادية الفرع العلمي و كان نص كلمات السيد عجام في تقديم الفقرة هو (فالعراقية الشابة هدى عدنان كتبت بنجاحها كطالبة أولى على مدارس العراق في الفرع العلمي حكاية لبصرة المعرفة و الفكر، حكاية هي غير حكاية القتل و الإرهاب و الاختطاف و النهب و السلب و التطرف التي جاءت بها الى البصرة حركات وعصابات وجماعات تحت مسمى الدين) و كان التقرير المرفق في فقرة البرنامج يتحدث عن الطالبة و شخصيتها العفوية و تفوقها ثم تحول بعد ذلك الى طموحها و هنا النقطة التي يجب التركيز عليها في هذه الفقرة حسب سياسة البرنامج فالطالبة تطمح لإكمال دراستها في إحدى المؤسسات العلمية المعروفة عالميا و هذا طموح مشروع دون أدنى شك و لكن السبب حسب السيد سعد قصي مراسل القناة هو قوله بالنص (لكنها تعتقد ان المسؤولين لا يعيرون اهتماما كثيرا بالعلماء و إهمالهم لها بعد كل هذا المعدل العالي هو دليلها الشخصي على ضعف المؤسسة الحكومية في مجال احتضان المتفوقين و رعايتهم) و اظهر التقرير قولها المقتطع بالمونتاج (ماكو أي مبادرة من أي جهة حكومية) فقط ليكون دليـلا على مصداقية المراسل و القناة .
يمكن من خلال هذين المثالين ان نرى النقطة السوداء التي يركز عليها و يضخمها البرنامج لكي يمحو الصورة الجميلة للخبر و الصورة التي تظهر الجانب المشرق و التي هي أولى بمن يمتلك شرفا إعلاميا ان يظهرها لكنها تبقى خلف كواليس أيام سبعة سوداء في عين الأعور الذي لا يمكنه ان يرى الا بعين واحدة هي عين التشاؤم و عين الكراهية . نعم فبإمكان الإعلامي ان يكون إرهابيا أكثر من إرهابيي القاعدة اذا لم يكن لديه شرف المهنة .
أنا هنا لا ادعوالى إعلام سلطة يمتدح و يزوّق كل شيء و كأننا في (اليوتوبيا) او الدولة المثالية ، لكن يمكن لهذا الإعلام ان يمارس النقد في مجال النقد و يظهر الانجازات في مجالها أيضا ، لا ان يحول الانجاز من خلال أسلوب قميء و ممجوج الى فشل و كبوة . لا أريد إعلاميا لا يرى العالم الا من ثقب مفتاح الباب كما بطل رواية هنري باربوس (الجحيم) و لا يرى العراق الا من واشنطن ، و لا أريد إعلاميا (لامنتميا) كما هو اللامنتمي لدى كولن ولسن و لا يعيش معاناة أبناء الشعب ، بل كل ما أتمناه هو إعلامي يكتب و يتحدث بعين الإنصاف و ان يقول عن الخطأ خطأ و عن الصحيح صحيحا .
https://telegram.me/buratha