المقالات

الديمقراطيه .. وبوصلتها

1172 18:02:00 2008-08-13

( بقلم : واثق جبار عوده - السويد )

ليس غريبا ان تجد ان الحديث في السياسه مملا في المجتمعات الديمقراطيه فالمواطن فيها يبحث عن ماتقدمه الدوله او الحزب المتنافس في انتخابات راهنه عن وعود لحياة افضل.المواطن في مجتمع ديمقراطي لا يستسيغ الحديث في السياسه بقدر ما يهمه مقدار تخفيض ضريبه الدخل العام او ضريبه المواد الغذائيه او توفير فرص عمل افضل او ايقاف ارتفاع اسعار البنزين مثلا.

ليس مهما من يحكم في مجتمع ديمقراطي طالما ان ان الاحزاب المتنافسه تطرح برامج عمل وشعارات تقترب من طموحات المواطن في العيش الكريم. ان قراءه سريعه في خطابات زعماء الاحزاب المتنافسه في انتخابات برلمانيه في مجتمع ديمقراطي تجد ان الخطاب السياسي يكاد يكون مختصرا ومختزلا الى الخطط التي تلبي طموحات المواطن في العيش الكريم وحقوقه الانسانيه التي تصون كرامته وشخصيته. فالمواطن لاينظر باهتمام الى سياسه الدوله تجاه قضايا خارجيه بقدر اهتمامه في سياسه الدوله الاقتصاديه واحترام انسانيه المواطن بحيث تجعله يقف بخط متساوي مع الملك ورئيس الحكومه.

ان المواطن في بلد ديمقراطي يمتلك بوصله ذهنيه قد تولدت منذ ولاده الديمقراطيه في ذلك البلد ونمت معه وتوارثت عبر اجياله. هذه البوصله مهمه جدا وهي الاساس المتين في حقظ الديمقراطيه واستمرارها وازدهارها. حينما يجد المتتبع لانتخابات دوريه في بلد ديمقراطي ان الاقبال كان ضعيفا فهذا لايعطيه انطباع ان هناك خللا في الواجب الوطني لدى المواطن بل مرد ذلك ان مؤشر البوصله في تلك الانتخابات يشير نحو الاتجاه الصحيح. لذلك فان ثلاثون بالمئه من اصوات الناخبين تكفي لحسم الموقف. الا ان الاندفاع الجماهيري يتجه وبعنف لحسم انتخابات ما حينما يتجه مؤشر البوصله الى اتجاه اخر غير الاتجاه الطبيعي. هذه البوصله الذهنيه ليس من البساطه ان تتولد في مجتمع ما طالما المواطنون يعيشون ظروفا لاديمقراطيه او ان يمتلكوا ارث مقدس اساسه الاستبداد.

ان نبته الديمقراطيه لايمكن ان تستورد من بلد ما لتعيش ظروف بلد اخر والا لبقت ابدا داخل بيوت زجاجيه تطلب الحمايه الدائمه من ظروف البيئه الجديده التي وردت اليها. ولكن من الممكن استيراد بذور الديمقراطيه من بلد ديمقراطي لتنموا في تربه موطن اخر لتكون مؤهله لتكييف نفسها وفق تاريخه وثقافه اجياله وان كان ذلك التاريخ والثقافه اساسه الاستبداد فان قصورا سوف يظهر عاجلا ام اجلا في مؤشر بوصلتها. فالثقافه التي تقدس التاريخ الاستبدادي وتعطيه شرعيه وتمنحه قدسيه تصل الى حدود الخطوط الحمراء ليس من السهل ان تتقبل نبته الديمقراطيه الحديثه وان تقبلت بذورها فالهاجس المخيف يبقى دائما في بوصلتها.

ان التاريخ الملغم بصور الاستبداد وتقديسه لايمكن ابدا ان يتقبل ان تاريخه صنع من قبل المستبد وخاصه حينما يكون ذلك المستبد من الذين رضى الله عنهم. ان الديمقراطيات الحديثه لايمكن ان تتقاطع اطلاقا مع مجتمع تاريخه ملئ بصور القداسه للاستبداد وخاصه عندما ينسب ذلك الاستبداد الى اكرم خلق الله رسول الانسانيه وارفعهم خلقا محمد صلى الله عليه وسلم. حينما يستطيع المجتمع من التفريق بين ثقافه المستبد الظالم وثقافه الشورى لرسول المحبه محمد صلى الله عليه وسلم سوف تنموا بذور الدمقراطيه الحديثه في تربه مجتمعنا وسوف يملك الجمهور بوصله تشير دون اخطاء.

كيف يمكن ان يتقبل شخص ما ديمقراطيه قد يراها غريبه وهو المحاط من كل جانب بثقافه استبداديه صنعها خليفه مستبد وجيش لها افواج من وعاظ السلاطين وذيلها بروايات وهميه واحاديث خياليه او مواقف وان صدقت الا انه اخفى فيها انسانيتها وركب عليها استبداده لتكون اعماله مقدسه لايجوز الثوره عليها او حتى نقاشها. ان سرد واقعه معينه في عهد الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم بطريقه تظهره انه مستبد وتظهر اصحابه انهم دمويين لايفهمون الا لغه السيف تجعلنا نفكر الف مره حينما نزرع بذور الديمقراطيه في مجتمعنا, كيف يمكن ان تشير بوصلتها الى الطريق القويم. الا ترون ان البوصله مرارا تخطئ هدفها وكيف لا حينما يؤمن الشخص بان هذه الروايه صحيحه واقعا وتصرفا:

[وقد ظهرت أول أفكار الخوارج وأقوالهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك عندما كان يوزع غنائم هوازن فأعطى مسلمة الفتح مائة من الإبل لكل واحد منهم ولم يعط المهاجرين الأولين والأنصار شيئاً فرأى ذلك رجل جاهل متشدد مارق فظن أن الرسول إنما حابي أهله وعشيرته بالغنائم وظن أن هذه مداهنة لقريش فقال للرسول‏:‏ اعدل يا محمد، فوالله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، هذا الجاهل الجلف المارق يقول للرسول‏:‏ اعدل، ولو علم أن الله اختار رسوله لرسالته وأن الله لا يضع الرسالة إلا في موضعها لما ظن بالرسول سوءاً ثم اتهم نية الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يظهر خلاف ما يبطن وأن يفعل شيئاً لا يريد به وجه الله ولذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل‏؟‏ يأمنني الله على خبر السماء ولا تأمنوني‏؟‏‏]‏ فقال عمر‏:‏ دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال‏:‏ ‏[‏دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه‏]‏ ثم قال‏:‏ ‏[‏يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد‏]‏ وقال أيضاً‏:‏ ‏[‏إذا أدركتموهم فاقتلوهم فإن لمن قتلهم أجراً كبيراً‏]‏ ‏(‏رواه البخاري‏)‏‏]*1.‏

الرجل هو مسلم التبس عليه امرا اي جهله كما تورد الروايه فواجه الرسول وطرح رايه وهذا وفق الديمقراطيه هو حق من حقوقه ومن شجعه في ذلك قوله تعالى:(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين)َ*2

هنا دخلت يد المستبد فاضاف لها ردود افعال استبداديه تجهم وحنق واستياء عارم من الرسول واشهار سيف لدك العنق من قبل صحابي جليل. هذه هي صوره المجتمع الاسلامي التي رغب فيها المستبد لديمومه استبداده ودجن من خلالها الرعيه ليكون استبداده مقدس.

السؤال المطروح كيف يمكن ان نزيل هذه الهاله المقدسه عن الاستبداد كيف يمكن ان نمزق شرنقه التدجين التاريخيه. ان كل الديمقراطيات المستورده سوف تفشل طالما استمر المجتمع مدجن تاريخيا. وان بذره الديمقراطيه وان نمت و تكيفت في مجتمعنا فالبوصله سوف تشير في احيان كثيره خطا.

*1 المصدر: الولاء والبراء لعبد الرحمن عبد الخالق, فصل: المخالفون لاصل الموالات, قسم: المنافقون.*2 سوره ال عمران الايه 159

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك