المقالات

اضواء على النظريات الاسلامية في فلسفة الحكم 1 - 5

1266 22:47:00 2008-08-23

( بقلم : سليم سوزه )

لا شك ان الحكم والوصول الى قمة عرش الادارة في المجتمع، واحدة من الاهداف الرئيسية التي تبحث عنها الاحزاب والتنظيمات السياسية، بما فيها الكيانات التي تشكلت على اساس اسلامي واستمدت طروحاتها من ادبياته فهي تمثل مع زميلاتها من التشكيلات الاخرى حالة طبيعية من التنافس لغرض الحصول على المقبولية الشعبية تؤهلها الوصول الى السلطة عن طريق عرض ما لديها من برامج وافكار لادارة البلد .

وهنا اختلفت طريقة عرض هذه البرامج والافكار من تيار الى تيار ومن منظّر اسلامي الى آخر، خصوصا في المدرسة الجعفرية حيث تصارعت ثلاث نظريات اساسية لادارة الحكم في الحقبة المتأخرة تفلسف صياغة الواقع السياسي في زمان غيبة الامام المهدي (ع) معتمدة بشكل من الاشكال على الموروث النصي للرسول الاكرم (ص) والائمة الاطهار (ع) من بعده، فضلاً عن النظريات المستمدة من المدارس غير الاسلامية كذلك .

فلو اخذنا على سبيل المثال ثلاثة من علماء الشيعة الامامية وهم السيد محمد باقر الصدر والسيد علي الحسيني السيستاني والسيد محمد باقر الحكيم الذين يؤمنون بثلاث نظريات سياسية مختلفة في ادارة الدولة، سنجد بان هناك فرق واضح في الوسائل التي يؤمنون بها لتحقيق غاية واحدة، اَلاَ وهي كيفية ايصال الاسلام الى قمة عرش الحكم وتمكينه من السيطرة على الحياة السياسية والعمل بما هو اسلامي او ما هو قريب من ذلك على اقل تقدير. فالنظرية الاولى من هذه النظريات الثلاثة هي نظرية ولاية الفقيه الخاصة التي سلّم بها علماء الشيعة ومنظريهم منذ عهد غيبة الحجة والى هذا الوقت فكانت الاقوى عند الفقهاء من بين كل النظريات الاخرى واهم روادها المتأخرين السيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي والسيد علي السيستاني، والنظرية الثانية فهي نظرية ولاية الفقيه العامة التي كان يؤمن بها قائد الثورة الاسلامية في ايران السيد الخميني والتي من اهم انصارها السيد محمد باقر الصدر وبعده السيد محمد محمد صادق الصدر اما الثالثة فكانت نظرية ولاية الامة على نفسها اي لا ولاية لانسان على انسان لصاحبها السيد محمد باقر الحكيم حيث كانت من افكاره وفلسفته التي يعمل المجلس الاعلى الاسلامي على تطبيقها في المجتمع العراقي، وهي حالة وسطية بين نظريتين مختلفتين جمع بينهما الحكيم وآمن بها.

اولا ً وقبل كل شي، دعنا نستعرض النظرية الاولى وما تؤمن به في هذا الصدد .. فالجماعة التي تؤيد هذه النظرية لا تؤمن بقيام دولة اسلامية يقودها الفقيه او على الاقل لا تتصدى هي بنفسها لذلك ولم يأتِ هذا المضمون من فراغ بل كان نتاج احاديث جمّة وردت من الاثر المقدس تفيد بوجوب طاعة الفقيه في امور القضاء فقط، وليس الحكم، الاّ في شؤون القصّر والسفهاء، حيث تكون ولايتهم واجبة كوجوب ولاية المعصوم، ومن جملة الاحاديث الواردة من الاثر ما فهمناه بضرورة انتظار الفرج بقيام دولة المهدي، وكل راية خرجت قبل ذلك كانت راية ضلالة . نعم اجمع العلماء والباحثين في الشأن الشيعي على ذلك لكنهم اختلفوا في تأويل وتخريج هذا النص على غير ظاهره كل حسب ايمانه واعتقاده بل حتى مؤيدي انصار النظرية الثانية (ولاية الفقيه العامة) لم يعترضوا على الحديث ظاهراً، بل تفلسفوا في تأويله واخرجوه على وجوه مختلفة فقد ذهب على سبيل المثال الشهيد الصدر الاول الى ان قصد الائمّة من راية ضلالة ينصرف الى الدولة الاسلامية التي تعلن نفسها البديل عن دولة الحق اي دولة المهدي (عج) وتتصرف كأنها كذلك، حيث لا يشمل هذا الحديث من اراد ان يقيم دولة اسلامية موطئة لدولة الامام، لا بديلة عنها ويؤمن بان قدرات الناس دون قدرة المعصوم بكل تأكيد.

على العموم لم يكن اصحاب هذه النظرية (النظرية الاولى) متحمّسين في التصدّي للامور السياسية ومحاولة السيطرة على مقاليد الحكم في اي بلد كانوا فيه، لانهم آمنوا جيداً وعرفوا بانهم اذا ما استطاعوا الوصول الى سدّة الحكم، فلابد ان تقع الاخطاء ولابد ان تحصل المظلمة ولو بمستوى من المستويات لانهم ليسوا معصومين واذا كانوا كذلك (محال ان يكونوا كذلك حسب اصول الامامية) فلا يمكن ان يجدوا المعصوم لشغل المناصب الادارية الاخرى، مما ستقع المظالم لا محالة وبهذا ستتولد ردة فعل عنيفة تجاه الدولة الاسلامية، بل الاخطر من ذلك الخوف من سقوط قدسية وهيبة رجل الدين في نظر العامة .. بالتالي الانطباع السيء عن الاسلام ومفاهيمه السماوية ولعل هذا ما يحصل الآن في بعض مناطق الجمهورية الاسلامية الايرانية.

اما في بعض الفترات على مدى التاريخ الطويل، فقد حاول ابناء هذا النظرية التحرّك بشيء من الوقار نحو السلطة ومحاولة دعم من يرون فيه الخير للتصدي لاعباءها من باب دعم الافضل على حساب السيء حيث تتحرك العقيدة الاسلامية عموماً بنظام المصالح والمفاسد فقد يكون عمل ما غير مقبول او مستساغ في زمن ٍ ما .. يكون مقبولاً وخياراً جيداً في وقت آخر، والضابط في ذلك مصلحة الامة وما يقدّرها الفقيه دون ان تكون تلك براغماتية معاذ الله.وهنا لابد ان اشير الى ما يقوم به احد اساطين الفقه الشيعي حالياً وهو السيد السيستاني بهذا الاتجاه، فهو من ابناء النظرية الاولى كما اسلفنا ويؤمن بلابدية تنحي رجل الدين عن ملوّثات السياسة لكنه بنفس الوقت يريد لهذه السياسة ان تحكم بالدين، اي يرغب بحكم الدين للسياسة لا حكم السياسة للدين من خلال دسترة الدولة اسلامياً بعد الانتهاء من كتابة دستور تستند مفاهيمه الاساسية الى الاسلام كي يكون البارومتر الحقيقي لهؤلاء السياسيين مهما كانت ميولاتهم الايديولوجية او الحزبية او الطائفية، ولا يجرؤ احد على مخالفة ذلك بعدها. السيستاني نموذج للنظرية الاولى فهو لا يسعى للحكم شخصاً ولا يقبل بذلك لاي من وكلائه بل لاي رجل دين معمم لكنه يرغب ويهتم ان يكون الحكم بيد من يستحق ذلك، وبهذا فهو لا يقل دوراً عن صاحب النظرية الثانية نظرية ولاية الفقيه العامة. مع ذلك هناك من يحمّل وللاسف الشديد مسؤولية ما يجري اليوم في البلاد من فساد اداري ومالي ومشاكل اخرى، الى هذا الرجل مدّعياً بانه هو من اوصل هكذا رجال الى الحكم ومكّنهم من ذلك .. فتصورا لو ان السيد السيستاني يحكم بنفسه فماذا كانوا سيقولون عنه آنذاك.

هذا ما يخاف منه الولي الخاص (مؤيد النظرية الاولى) .. سقوط الاسلام بسقوط المعمّم، لذا تجده يبتعد دائماً عن الحكم وتعقيداته ويحاول الحفاظ على قدسية رجل الدين ورونقه بعيداً عن تأثيرات السلطة ومؤثراتها، خصوصاً بعد ان عرفنا بانه لم يتوصّل الى الدليل الشرعي بوجوب تصدّي الفقيه الى السلطة .. فكانت فلسفته في الحكم هي دعم من هم اهلا ً لذلك في حال بسط اليد في هذا الخصوص.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك