المقالات

غالب الشابندر و وجه مقتدى الصدر -2

1793 11:17:00 2008-08-28

( بقلم : د. سناء الحربي )

قبل أن نقترب من بعض النقاط في الجزء الثاني من مقالة الأستاذ غالب الشابندر أراني مطالبة بالتأكيد على نقطة مهمة يدفعني إلى طرحها بعض الردود التي استقبلتها من بعض الأخوة الذين قرءوا مقالتي السابقة فأساءوا فهم جانب مهم منها ، وهي باختصار إن الأستاذ غالب الشابندر رجل ذو فكر وقّاد و نظرة فاحصة تخترق ما هو ظاهر لتغوص إلى العمق و لا تقع ضحية الزائف من السطوح و بريقها و هو رجل مفكر له أطروحاته و آرائه و أنا معجبة بكثير مما عرضه في مؤلفاته و أبحاثه و ربما لهذا السبب اندفعت لكتابة هذه السطور من وحي إعجابي بفكر و نظرة الشابندر إلا أنه ساءني بمجاملاته للتيار الصدري وهي مجاملات غير مبررة و عادة ما تكون على حساب رصانة ما يكتب و يطرح من رأي ، و أعتقد أن القارئ اللبيب قد وقف على هذه الحقيقة في مقالتي الأولى .. في هذه المقالة بداية لا يوجد شيء مهم لمؤاخذة الكاتب عدا استمراره في روح المجاملة للصدريين و ميله إلى عرض الحقيقة على شكل سؤال أو ربما تساؤل .. و هي النقطة التي ذكرت أنها دفعت بي لكتابة هذا التعقيب ...

يذكر الأستاذ الشابندر في مقالته وجها لوجه مع السيد مقتدى الحلقة السابعة أن (( السيد رئيس الوزراء نوري المالكي اشترط أربع ( هكذا ) شروط مقابل إيقاف مطاردة التيار )) ، و عدد تلك الشروط وهي كما وصفها شروط معقولة و منطقية و طبيعية وهذه هي الحقيقة .. مع ذلك فما يمكن أن يعد شيئا طبيعيا و معقولا أيضا هو أن يرصد الكاتب و الباحث الحقيقة من زاويتها المنطقية و المعقولة و الطبيعية ليؤكد على أنه حتى شروط السيد رئيس الوزراء و اشتراطاته و الطريقة التي طرحت من خلالها تبدو بعيدة نوعا ما عن المألوف ، في كل دولة صغرت أم كبرت و استقرت أم اضطربت و سواء كانت ذات سيادة تامة و مطلقة أم تعيش وضعا شبيها بوضعنا الحالي في كل هذا لا مجال لمفاوضة طرف يتمثل بمليشيا مسلحة خارجة عن القانون ... لأن نفس عملية التفاوض تمنحها مشروعية من نوع ما ، فإذا قيل إن الحالة العراقية مختلفة و لها ظروفها التي توجب بعضا من الاستثناءات عما هو منطقي و طبيعي و مألوف فلا أقل إذن من تطبيق تلك الشروط و تعهد الطرف المسلح خطيا و أمام الناس بأنه لن يعود للعمل المسلح تحت أية مبررات ومثل هذا الأمر للأسف لم يحصل بشكل تام و مرضي و الكل تقريبا بانتظار ما يجود به مقتدى من مواقف يراهن على أن تكون توبة نصوحا عما قام به و تسببه بفعله القصدي بإزهاق أرواح الآلاف ..

 وهنا يدخل الجدل حول سلاح جيش المهدي و مشروعية حمله .. من الثابت أن جيش المهدي شكله مقتدى الصدر من تلقاء نفسه و بعد أن غرس بعض الأشخاص العائدين بعد سقوط المقبور صدام من سوريا و المتأثرين بحركة حزب الله اللبنانية الفكرة في رأسه ، و كل ذلك حصل دون استشارة دينية أو حتى سياسية من أي طرف .. لكن الصدريين أصروا على عدم تسليم سلاحهم مدعين أنهم لا يملكون سلاحا متوسطا أو ثقيلا وهو خلاف ما يعرفه طفل صغير في زقاق من أزقة مدينة الصدر مثلا .. لم يشر الأستاذ الشابندر إلى ما يعنيه هذا الإنكار فقط أشار إلى واحدة من نتائج رفض تسليم السلاح بحجة مقاومة المحتل و هو ما يجر ضرورة و كما قال الأستاذ الشابندر إلى أن هذا يعني الإقرار بعدم وجود الحكومة و من ثم يتساءل الكاتب : كيف يشارك بها عبر مجلس النواب ؟؟ و نجيب بالقول إن الصدريين حزب سياسي يبحث عن مصالح و مكاسب و مناصب و بقدر ما تكثر مصالحه و مكاسبه و تتوفر له مناصب بالطريقة التي يريدها يصبح الحديث عن المقاومة مجرد نكتة حول البطيخ .. و هذا ما حدث في الفترة التي دخلوا خلالها في حكومة السيد نوري المالكي لتعود رنة و طنة المقاومة للمحتل إلى الظهور عاليا بعد انسحابهم منها و تقاطعهم مع بعض الجهات الداخلة فيها .

 إن رفض تسليم السلاح يعني أن هناك سلاحا بالفعل و أجمل ما قاله الشابندر حين يتساءل : ترى من أين مصادر هذا السلاح ؟ وهل هو سلاح أعزل من شروط يفرضها المزوِّد ؟ لا توجد أعمال خيرية في السياسة ، ومن يضمن إنها فروض أو شروط وطنية بحتة ؟ و أرى أن بعضا من هذه التساؤلات و تحديدا الأخير منها فيه نحو من التجاهل – نابع من رغبة المجاملة - لحقائق غدت صارخة لا تحتمل فسحة للتشكيك و اعترف أنني لا أقوى على فهم معنى السؤال عمن يضمن أن تكون شروط تسليح مليشيا جيش المهدي شروطا وطنية !! كيف ! إلا إذا كان السيد غالب يرى أن مصادر التسليح هي جهات عراقية من الداخل و هو افتراض بعيد .. إذاً الجهة التي يقصدها الكاتب لن تعدو جهات خارجية معلومة و هنا ما معنى أن تشترط تلك الجهات شروطا وطنية أو بعبارة أدق ما معنى أن نفترض شروطا من هذا النوع تشترطها تلك الجهات ؟! يعلم الجميع أنه لا مكان في عالم اليوم لدولة تفكر بمصالح دولة أخرى ، الجميع يسعى وراء المصلحة فإن قيل لنفترض تلاقي المصالح كأساس لفهم الحالة هنا .. فالردّ هو إن الحالة العراقية تحديدا تأبى هذا النوع من التلاقي الوسطي و خاصة إذا كانت قضية المليشيات هي السبب الأول و الأخير لتدهور الوضع الأمني داخل العراق في حين يتم إلقاء المسؤولية على القوات المتعددة الجنسيات للتبرؤ من أعمال المليشيات و الجهات المسلحة الإرهابية و الإجرامية بل لي أن أجزم أن الغالبية العظمى من أعمال العنف التي تسببت بسقوط ضحايا مدنيين بعد عام 2003 هو بسبب تلك الأطراف و ليست القوات الأمريكية و لا غيرها .. و لكن الإعلام الذي يدعي المقاومة عادة ما يكون صوته مسموعا لدى الكثيرين في حالات تشابه الحالة العراقية بعد 2003 .. و هذا ما نعلم أن الأستاذ الشابندر يدركه حق الإدراك بنفس القدر الذي ينكره السذج و المغفلون و المغرر بهم و أصحاب الهوى المليشياوي ..

و ينتقل الأستاذ غالب إلى نقطة على غاية من الأهمية و تتمثل بدور المليشيات الصدرية في التضييق على الناس بأمور تمس حرياتهم الشخصية و الاعتقادية و يرى الكاتب أن ما حدث في البصرة خير دليل على ذلك و بما أن حال البصرة الآن بالوصف الذي ذكره في مقاله غير حالها قبل العمليات العسكرية التي انتزعت الأرض من تحت أقدام جيش المهدي و قضت على نفوذهم الظاهر على ألأقل هناك يخلص للقول : فهل يعني هذا إلاّ أن بعض المنتمين إلى التيار كانوا يرهبون الناس ، ويفرضون عليهم نموذج الحياة الذي يؤمنون به ؟ لا أكاد أكون مقتنعة أن الأخ الفاضل غالب لم يكن يعلم بحقيقة ما يجري وهو المتابع الفذ للشؤون العراقية لينتظر حاله حال أي منقطع عن الأوضاع و بعيدا عنها كل البعد كي تثبت له عمليات الصولة المظفرة للسيد المالكي حقيقة ما كان يعانيه أهالي البصرة من جحيم مليشيات الصدر و باقي المليشيات غير الشرعية التي فتكت بالأبرياء من النساء لأسباب تافهة فضلا عن عدم وجود أية شرعية أو مشروعية لإلحاق أدنى ضرر بأي إنسان كائنا من كان و تحت أية حجة أو ذريعة . و هو ما تساءل عنه السيد الكاتب قائلا : من أين للتيار الحق الدستوري والقانوني بان يفرض على الناس تصوراتهم وأحكامهم وأفكارهم ونماذج سلوكهم ؟

و في النهاية أطمح مخلصة أن يكون الكاتب الشابندر في قابل مقالاته صريحا أكثر في طرحه و مبتعدا عن الأسلوب المجامل إلا إذا أوجد لنا طريقة تخفف من بعض التناقضات التي تخلقها تلك المجاملة في ثنايا مقالاته متمنية له الموفقية ..

الدكتورة سناء الحربي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك