المقالات

اضواء على النظريات الاسلامية في فلسفة الحكم - الاخيرة

1219 16:25:00 2008-08-29

( بقلم : سليم سوزه )

في هذه الحلقة سنسلط الضوء على واحدة من النظريات المعقدة في فلسفة الحكم، اَلاَ وهي نظرية الخلافة الاسلامية او الامارة الاسلامية بكل مفرداتها الظاهرة والباطنة والتي تسعى الى تطبيقها جماعة السلفية الجهادية مثل القاعدة وتفرعاتها، فقد كانت هذه النظرية ثمرة نتاج المذهب الوهابي الذي اختلف مع الاشاعرة فقهاً وعقيدة، وآمن بفكر محمد بن عبد الوهاب في كل الاصول والفروع الاسلامية حتى انه ابتعد انهاراً عن المذاهب الاربعة، وبحاراً عن المذهب الجعفري الامامي.

نشطت المدرسة الوهابية في الثلاث قرون المنصرمة ومثلت ثورة على المفاهيم الاشعرية آنذاك فقد كانت تتسم ولا زالت بانها حركة وليست مذهباً حاولت ان تقدم فكراً دينياً يتطابق مع الاسلام ظاهراً وباطناً وتبرز نموذجاً في الحكم يعتمد على الاصطلاحات الاسلامية البحتة مثل الخلافة والامارة ومجلس الحل والعقد وغيرها من الامور التي لم تعد سائغة في يومنا هذا، فقد اعلنت هذا الحركة الهجوم على المفاهيم المعاصرة في السياسة فضلا ً عن هجومها العنيف على فقه وعقائد المذاهب الاخرى متمسكة ً بالظواهر اكثر من اي شيء آخر فلم تقبل بالتأويلات الباطنية او التفسيرات العصرية لروح النص الديني والتزمت بذات الزي الاسلامي حتى في مستوى قصر الملبس وارتفاعه عن قدم المسلم. بعد هذا انتصر هذا الفكر ليكون حاكماً على اراضي نجد والحجاز من خلال عائلة آل سعود وسميت بعدها الدولة باسمهم لتصدّر بحيوية ونشاط فكراً لبلدان العالم الاسلامي يعتمد على فقه تجديدي يناقض فقه المدارس الاخرى، بل يكفرها ويخرجها من الاسلام التوحيدي ليضعها في خانة اسلام الشرك، لكنه وبعد فترة من الزمن انفلت عقال هذا الفكر ليتحول الى فكر عنفي شديد لا يؤمن بالاختلاف والمغايرة اطلاقاً ويحاول تغيير العالم بما فيه العالم المسيحي الى مجتمع اسلامي على الطريقة الوهابية، يقر ويؤمن بنظام الخلافة الاسلامية ويوالي امراءها بعد ان يقدم البيعة لهم.

وابرز ما قدمته المدرسة الوهابية في هذا الصدد تنظيم القاعدة والحركات السلفية الاخرى المنتشرة في بلاد المغرب العربي حيث تمادت هذه التنظيمات في استخدامها للعنف باتجاه تطبيق نظرية الخلافة الاسلامية النقية حسب توصيفها وطغت وغالت في تفسير آيات الجهاد والتي تسميها بآيات السيف في القرآن حتى قدمتها على كل تشريعات الله الاخرى، فكان بحق طغياناً في كفة الميزان القرآنية وايغالا ً في مفهوم واحد على حساب مفاهيم اخرى راقية وهو ما نهانا عنه القرآن الكريم بقوله (والسماء رفعها ووضع الميزان، الاّ تطغوا في الميزان) اي ان القرآن الكريم عبارة عن شبكة تشريعات ضخمة فلا تغالوا في استخدام اي شيء منه اكثر من غيره فتكون قد طغت كفة على حساب مثيلاتها.

اكتوى المذهب الوهابي كذلك من مغالاة هؤلاء في استخدام ايات الجهاد حيث قامت هذه التنظيمات بالعديد من العمليات الارهابية داخل حتى البلد الذي كان يمثل البلد الحاضن لهم اي السعودية، مستخدمين فقه التكفير ذاته الذي روّجت له الوهابية في السابق ودفعت ثمن ذلك في اللاحق، فقد كان من الصعب مواجهة اناس كانوا قد اعلنوا الحرب على كل التكنولوجيا الحديثة بدعوى انها بدعة لم تكن موجودة في صدر الاسلام مع انهم يستخدمون احدث ما في العالم من تكنولوجيا وهو الانترنيت لترويج افكارهم ومعتقداتهم، بل اسّسوا لهم فقهاً خاصاً في كيفية استخدامه، وبات لهم ما يعرف بالجهاد الانترنيتي وهذا هو التناقض بعينه، فلم يقدّم انصار هذه النظرية نظرية الامارة الوهابية اي شيء قيّم للاسلام فضلاً عن الانسانية سوى القتل والعنف لتطبيق ما يسمّونه اسلاماً اعتماداً على سياسة التطهير وتحرير البلدان الاسلامية من المشركين، وهم في نظرهم الشيعة والسنة من ابناء المذاهب الاخرى بالاضافة الى المعتقد الوهابي لآل سعود الحاكمين في السعودية، مبدعين فقط في تطوير ايديولوجيا التفخيخ وتكنولوجيا التفجير كأحد اهم وسائلها الدعوية (للاسلام النقي).

انهم وانطلاقاً من مبدأ (لا تأخذكم في الله لومة لائم)، حاربوا كل النظريات السياسية الحاكمة في العالم بدءاً من الديمقراطية وانتهاءاً بالنظم الاسلامية التي تحكم في بعض الدول .. واستخدموا في ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة ففخخوا الاجساد وفجروا العربات ودمروا المباني والمدن، من اجل تطهير ما يسمّونه بالكرة الارضية المشركة ونشر عباءة الاسلام المحمدي الوهابي فوقها، اي لا بديل عن الجهاد الهجومي ولا استقرار للاسلام، الاّ بعد اسلمة الكوكب برمّته دون الالتفات في معركتهم هذه الى الضحايا الابرياء من المسلمين وغيرهم، فقد كانت فلسفتهم تؤمن بان من يذهب ضحية هذه الاعمال يحشر على نيته .. فان كان مسلماً صالحاً عجلّنا بذهابه الى الجنة، اما الطالح فقد اسرعنا بعقابه وارساله الى النار.

هذا ما يؤمن به اسلاميو النظرية الطالبانية وتؤدلج له عقليتهم الراديكالية، فبعد ان حاولوا تطبيق الثيوقراطية السياسية من خلال شعار الحاكمية لله سقطوا في ابشع انواع الفيوقراطية البغيضة عبر دكتاتورية رجال دين لم تتخط َ عقليتهم كهوف تورابورا، ولا اتسعت ثقافتهم لقبول الآخر، فكانت سياستهم العوراء لا تقر، الاّ بسياسة اما معي او ضدي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك