المقالات

(( قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر )) - 3 -

1701 18:36:00 2008-09-04

( بقلم : حميد الشاكر )

( لقد كان في يوسف وأخوته ءايت للسائلين / 7 / يوسف )

هذه الاية السابعة من سورة يوسف ع ، وكان الحق علينا ان نأتي بالاية الرابعة من السورة اذا اردنا الترتيب والتسلسل عندما تناولنا الايات الثلاث الاول في هذه القصة العظيمة ، فقد انتهينا عند قوله سبحانه :(( نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرءان وان كنت من قبله لمن الغافلين )) وهي تردُّ على من يشككّ بنبوة محمد ص وانه يفتري هذا القرءان من عند نفسه ، وكان حق السياق القرءاني الطبيعي والتلقائي ان تأتي الاية السابعة بعد هذه الاية باعتبار ان سياق الاية السابعة جاء ليرد على من سأل في سبب نزول الاية عن :( ال يعقوب وسبب انتقالهم من الشام الى مصر ) فكانت الاية السابعة تجيب على السائلين ب :(( لقد كان في يوسف واخوته ءايت للسائلين )) ففي قصة يوسف اجوبة وبراهين دامغة وحجج عالية القيمة للذين سألوا عن صدق الرسول الاعظم محمد بن عبد الله ص من جهة ، وفي القصة ايات على حال محمد ص مع قومه وكيف ان الحسد هو عامل عدم الايمان بنبوة العظيم محمد ص كما كانت العقد النفسية هي عامل الاحقاد والكراهية بين يوسف ع واخوته لاغير !.

ولكننّا قد اشرنا في بحوث سابقة في تناول الكلمة ((أقرأ)) بأن من مميزات الاسلوب القرءاني انه اسلوب الاهي وليس اسلوبا بشريا طبيعيا لنطالب بحق الترتيب الطبيعي في سرده القرءاني ، فالقرءان كلام الله سبحانه وتعالى الذي ليس كمثله شيئ ، واسلوب كلامه سبحانه من المتوقع ان يكون اسلوبا مختلفا عن اساليب البشر الطبيعية والعادية ، ولهذا نجد التقديم والتأخير واردا كثيرا في النص القرءاني الكريم ، فربما كان ماحقه التقديم ان يؤخر في الاسلوب القرءاني ، وماحقه التأخير يكون له العكس في القرءان ... وهكذا ، ومَن اراد فهم الاسلوب القراني في خطاباته العميقة فعليه ان يدرك هذه النقطة بالذات لفهم النص القرءاني وادراك انه مع انه نص لايلتزم بالتراتبية والاساليب الطبيعية العادية في كلام البشر ، الا انه مع ذالك من ارقى الخطابات الواضحة ، واتم البيانات التامة ، بل انه المعجز الذي خالف الخطاب البشري بالترتيب ، ومع ذالك تفوق على التراتبية والطبيعية بالوضوح والبيان والتعقلن !.

ومن هنا كان للاية السابعة في سورة يوسف ع ان تكون في اول الافتتاح لانها المحور الذي يجيب على اسألة السائلين ، ولكن النص القرءاني أخر الجواب ليطرح حججه هو ، اولا : في ان هذا الكتاب صاحب الايات البينة للعالمين ، وثانيا : انه منزل بلغة عربية مقروءة لأناس لايوقفهم عن التعقل الا عقدهم النفسية الصغيرة ، وثالثا : انه وحي ربانّي يقصّ احسن القصص من خلال العظيم محمد ص الذي كان غير ملتفت اصلا لهذه الحوادث التاريخية او مفكرا في صياغتها الاسطورية ...الخ !.

نعم جاء الجواب لاهل السؤال متأخرا حسب النمط السلوكي لاساليب القرءان الكريم ليؤكد عدم التزامه بنظام الخطاب البشري الذي يحتمّ على المتكلم ان يرتّب خطابه ليفهمه السامع المتلقي ، ولكن ما يريده الاسلوب القرءاني هذا ايضا هو القول للانسان نفسه : انه لو كان القرءان مفترا كما يعتقد الكفار والمنافقين من اهل التوراة والانجيل انذاك ، وانه من كلام البشر لأتت اساليبه حسب نظام الكلام البشري الطبيعي والعادي في التراتبية ودوالية السياق ، ولكن العالم البشري كله يرى ويسمع وينطق الكلام القرءاني بنظام وقانون مختلف عن سياقات ونظم الكلام البشري الطبيعي ، وانه السياق الوحيد الذي يقدم في الكلام ويؤخر بشكل كبير وملفت للنظر كثيرا ، ومع ذالك هو اكثر بيانا ووضوحا وايصالا للمعنى وافهاما للسامع من جميع كلام البشر المنظم والمرتب حسب قوانين الكلام الاجتماعي الانساني العام !.

أليس هذا دليلا على ان القرءان صياغة لابشرية وانه صياغة ربانّية ليس كمثلها شيئ اعجازية فوق الانسانية ؟.نحن العرب وغيرنا من باقي البشر ندرس لغاتنا البشرية حسب قواعدها ونظم قوانينها الكلامية ، فهناك مبتدأ وخبر وهنا فاعل ومفعول ، واخر جار ومجرور ، وثالث ....الخ ، ومن الصعب ان اردتَ ان تتحدث لاي انسان اخر ، ان تنتقل من صورة كلامية الى اخرى بلا ملامح ربط تجعل ذهن السامع متابعا لفكرتك التي تريد ايصالها له ، أما ان اردت افتتاح حديثك عن سؤال ما بشيئ مختلف عن جواب السؤال فسيضل السامع في حيرة مماتقول بالفعل بسبب ان النظام والقانون اللغوي للغتنا البشرية تحتّم الجواب فورا على سؤال السائل لتكون هناك نقطة التقاء وتواصل وتفاهم بين المتكلم والمتلقي هذا !.أما في الاساليب القرءانية الاعجازية فالأمر مختلف تماما ، ومع انه مختلف نظما وقانونا وتراتبية في الكلام ، ومع ذالك هو الاوضح معنا والاشدّ بيانا ، والاكثر فهما لجميع البشر !.وعليه كان سبب تأخير جواب أسألة السائلين في سورة يوسف الى الاية السابعة في قوله سبحانه :(( لقد كان لكم في يوسف واخوته ءايت للسائلين )) من هذا المنطلق في الاسلوب القرءاني الخطابي المختلف عن نظام وقانون واساليب البشر الخطابية هنا ، بالاضافة الى انه مع اختلاف هذه النمطية القرءانية المختلفة ، ففي الاية مع تأخرها ترتيبيا في نظام التخاطب دورا تقوله في ترتيبها المتأخر ايضا لتؤكد : ان في قصة يوسف وأخوته دلائل وبراهين وحجج وصور واشكاليات ومعالم وافكار .....الخ لجميع السائلين عربا مشركين كانوا ام يهود واهل كتاب ، اعاجم اللسان كانوا ام عربا أقحاح ، رسل وانبياء أم عامة وعوام ، سادة مفكرين وعلماء أم جهلة وضيقي افق وطالبي حياة فحسب .... فلكل منهم نصيبه من الاي في قصة يوسف ع !._____________________

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
حميد الشاكر
2008-09-05
احسنت ياقيس الابراهيمي على هذه اللفتة الجميلة التي تربط بين اعجاز القرءان من جهة واسلوب الخطاب القرءاني من جهة اخرى !. ونعم ربما من الحكم البالغة لتقديم وتأخير الاي والسور هي ان نأخذ القرءان تامة ليفسر بعضه البعض الاخر !. شكرا للتعليق القيّم
قيس الابراهيمي
2008-09-05
لعل المراد من فلسفة التقديم والتاخير بالنص القراني الكريم هو ماذكرته في طرحك عن اختلاف السرد البشري عنه في السرد الالهي وكذلك والله العالم يراد منه ان ينبهنا ان القران العظيم قطعة واحدة لاتتجزأ وهذه ايضا سر حفظه من الضياع والنقصان حيث نرى ان التقديم والتاخير لم يكن مقتصرا بسورة واحدة فقط فنرى ان التقديم والتاخير احيانا يكون بين ايات بسورة ورابطها وربما جوابها وتفسيرها بايات اخرى بسورة ثانية وهذا ما اعتمد عليه المفسرون حيث تفسر الاية بالاية وهذا سر الإحكام المتين والاعجاز الالهي الذي ليس مثله شي
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك