المقالات

التحجر السياسي لمقتدى الصدر

1280 22:42:00 2008-09-06

( بقلم : د. سناء الحربي )

تتيح النظم الديمقراطية للجميع التعبير عن آرائهم و العمل على إبداء وجهات نظرهم . و من هنا كانت ضرورة نشؤ المعارضة السياسية باعتبارها تعبيرا عن الرأي الآخر المقاطع لوجهة النظر الحكومية . و المعارضة من حيث ضرورة وجودها في النظام الديمقراطي يكافئ ضرورة وجود حكومة مسؤولة عن تسيير دفة الأمور في الدولة سياسيا و اقتصاديا و أمنيا وغيرها . و باستقراء لتجارب المعارضة في النظم الديمقراطية و تلك التي تفسح مجالا محددا للحرية السياسية نرى أن المعارضين للحكومة ينقسمون إلى نوعين الأول يعارض بناء على رغبة تقويم العمل الحكومي و تصحيحه و طرح خيارات جديدة للتعامل مع مختلف القضايا و الشؤون ذات الأهمية و الحساسية و المتعلقة بمستقبل البلد و مصلحة مواطنيه .وهؤلاء فهموا و هضموا معنى العمل المعارض باعتباره طريق يعاضد و يقوي العمل المؤسساتي ولا يضعفه و هو ضرب من المشاركة في الحكم و إدارة دفة الشؤون ، المعارضة هنا تقرب من مؤسسة استشارية توجه و تنبه الجهات الحاكمة إلى حقائق أو حلول أو عقبات يمكن أن تغفل عنها الأخيرة . وهذا ما يلاحظ في الدول الأكثر تطورا و الأكثر عراقة في تجاربها الديمقراطية و طرق إدارة مفاصل الحركة السياسية و الاقتصادية و الإدارية . أما النوع الثاني من المعارضين و الذين ينتشرون في العالم الثالث و الدول الأقل تقدما أو التي بصدد مباشرة خطواتها الأولى في السير نحو نظام تعددي ديمقراطي حر هؤلاء المعارضون أو هذه المعارضة تتجلى بمعارضة لوجه المعارضة .. أي أن المعارض هنا يريد بالدرجة الأولى و الأخيرة إثبات وجود يتحدى وجود الكيان الحكومي . هذه المعارضة مسكونة برغبة تتمرد على توجهات و آراء و وجهات و أطروحات الجانب الحكومي دون السعي الحقيقي لإيجاد حل لمشكلة ما أو تقويم وجهة نظر معينة أو تقديم مصلحة البلاد و إن كان في ذلك تنازل عن طرح سابق أو موقف لاحق تكون المحصلة من ذلك كله الاعتراف بقيمة أو رؤية و توجهات المؤسسات الحاكمة و من يمثلها .

يبرز في العراق اليوم تيار معارض أو بعبارة أدق حزب سياسي معارض يتبع مقولة أعارض لكي أكون معارضا .. أنا أعارض إذاً أنا موجود .. نرى انه في الوقت الذي مالت و بفعل التجربة ولا شك أغلب القوى التي كانت قبل عام أو عامين تعارض كل شيء لصالح لا شيء إلى التعامل بواقعية مع الحدث السياسي و تفكر في خيارات تجعلها تشارك الحكومة بإدارة دفة الأمور رغم كونها معارضة و أن نسبة تمثيلها إن كانت ممثلة ليست بالنسبة المؤثرة ، في هذا الوقت و ضمن إطار هذه المتغيرات و معطيات الساحة العراقية يبقى الصدريون قابعين بمستنقع المعارضة المشاكسة ، المعارضة الرافضة التي يشعر أصحابها أنهم في حال التنازل عن موقع الضد سيصبحون بلا قيمة .. من هنا يرتفع سقف المطالب للصدريين مع الوقت و وفقا لرغبة الثبات على نقطة غير متحركة و ساكنة في عالم يأبى مثل هذا الثبات و التحجر و الجمود .. ففي السياسة لا مكان لغباء من هذا النوع ولا مجال لديماغوجية معارضة يُتشَبث بها على هذا الشكل المخزي و الرديء .

لحد هذه اللحظة لا أقوى على فهم موقف الصدريين من الرفض لأصل فكرة الاتفاقية مع الولايات المتحدة ، بالطبع كان الموقف قبل أشهر مختلفا نوعا ما إذ الاعتراض كان على فقرات محددة تطور الأمر فيما بعد إلى رفض مطلق لسبب بسيط واحد هو أن الحكومة العراقية رفضت تلك النقاط التي ردد الصدريون أنهم سيرفضون المعاهدة بسببها ، دافع الحكومة لم يكن نزولا عند رغبة الصدر و أتباعه لأنها على علم تام أن سقف المطلب الصدري غير ثابت و يرتفع دائما كجزء من منهج اعتراضي مطلق لهذا الحزب ، بل كان موقف الحكومة و السيد رئيس الوزراء و باقي الأحزاب و الكتل المؤثرة في صناعة القرار السياسي نابعا من الشعور بالمسؤولية الوطنية و التاريخية و الأخلاقية أمام الشعب و الأجيال القادمة .. لنلفت أن هذه العبارات الأخيرة يراها العقل المعارض الصدري و ما شابهه من النوع الثاني الذي أشرت إليه سابقا كونها " تواطؤ " – " عمالة " – " خيانة " – " كلام مدفوع الأجر " ... الخ .. لأن تأييد الحكومة يعني تقاطعا حتميا مع هؤلاء حتى إن لم يختلف عاقلان في الكون على صحة و صواب التوجه أو القرار أو الموقف الحكومي .

إن ما ردده أخيرا الشيخ صلاح العبيدي أن الصدريين يرفضون الاتفاقية مع الولايات المتحدة من حيث الأصل لفكرة الاتفاق يعبر بوضوح عن التحجر السياسي لمقتدى الصدر و أما الأسباب التي ذكرها العبيدي أسباب تافهة و نقول تافهة لأنها كذلك فعلا . فالقول إن الطرف الأمريكي في الاتفاقية هو الأقوى و العراقي هو الأضعف قول لا يستند إلى قراءة سياسية واعية و عميقة لما يحدث الآن ، فالمعطيات لا تشير إلى ذلك بل العكس هو الصحيح . فالإدارة الأمريكية الحالية في وضع أحرج مما يتصوره العبيدي و هي في أضعف حالاتها و أوضاعها فيما يبدو الجانب العراقي أكثر قوة و أملك للخيارات من الجانب الأمريكي . وهذا كله على الصعيد السياسي الذي تنتمي إلى سياقه قضية التفاوض على الاتفاقية و ليس الجانب العسكري لأنه غير قادر على التأثير في القضية إلا إذا رغبت الولايات المتحدة بتخريب كل التحسن الأمني الذي بذلت لأجله مليارات من الدولارات خلال السنتين الأخيرتين و مع عدم وجود أية حلول بديلة و خيارات إضافية تمكنها من إعادة رسم الخارطة السياسية بشكل مختلف . إن الوعي الصدري وعي متدنٍ و يدلّ على قصور مزمن في مدى الرؤية السياسية .

 و لعل محمود المشهداني رئيس مجلس النواب قال كلمة أحسب أنها الكلمة الصريحة الوحيدة التي تفوه بها حين أكد أن الصدريين سيرفضون الاتفاقية حتى و لو كانت في مصلحة الشعب العراقي ... بقي القول إن الاتفاقية المنتظرة مع الأمريكان تعني أساسا الخروج من البند السابع للأمم المتحدة و عودة السيادة الناجزة للحكومة العراقية و من يعترض على الأصل عليه أن يعطينا خيارات بديلة تعاد من خلالها السيادة العراقية كاملة و غير منقوصة و يمكن للعراق التحكم بثرواته النفطية التي يختلس جزء كبير منها الآن تحت ذرائع مختلفة و بأساليب متعددة و بتواطؤ دول و جهات في المنطقة و خارجها .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
احمد البصري
2008-09-07
اذا كان رب البيت فى الدف ناقر فشيمة اهل البيت كلهم الرقص فاذا قائد التيار هو مقتدى فما بال المقيود من التيار اكيد يكون فلته لزمانه وهؤلاء سياسه ومفاوضات وحفظ ماء وجه اكيد يعارضونها لكن لثام اسود وسرقة نفط وتخريب وشغب كل واحد منهم يرفع رجليه ويديه ويصوت بالموافقه لايمكن يمد لسانه حتى تكون الاصوات اكثر
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك