المقالات

الإمام علي وحقوق الإنسان

1219 17:15:00 2008-09-20

( بقلم : حبيب النايف )

تجلت البوادر الأولى لصفات القيادة والاهتمام بحقوق الانسان لدى الامام علي (ع) منذ نشأته الأولى وتربيته في بيت النبوة حيث اشرف على تنشئته واعداه وفق الأسس الصحيحة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليزرع في نفسه الفيض الغامر من المحبة ويعده الإعداد الفكري والعقائدي الذي هيئاه فيما بعد ليكون احد أعمدة الحكم الرئيسة في الإسلام مما أعطاه تلك المنزلة الرفيعة والمكانة المرموقة التي جعلته علما بين الإعلام ان لم يكن أعلاها ونجما ساطعا وصلت إشعاعاته لكل مشارق الأرض ومغاربها ليكون بذلك وهج أضاء زوايا المعمورة لينتهل الكل منها وهذا ما أكده الإمام بخطبته المشهورة القاصعة ((وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ،وضعني في حجره وانا ولد ،يضمني إلى صدره ،ويكنفني في فراشه ،ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثرامه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص)وخديجة وانا أرى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة )

ان هذه الميزة التي خص بها الامام علي دون غيره جعلته يتخطى اقرانه ومن عاصروه ليكون ذو فكر متقد وعقل متنور استطاع ان يتفوق فيه على كافة علماء وشخصيات الفترة التي عاشها ليصبح محط انظار الجميع سواء بالاستشارة او بوضع الحلول الناجعه للقضايا التي تستعصي على العلماء او الفقهاء في مسائل الحكم السياسية او القضائية او الاجتماعية ليضفي عليها ارائه الناجعة والسديدة التي ابرزت فيه الروح القيادية التي اهلته لان يكون محط انظار الجميع وبالتالي التعامل مع الاحداث بكل حكمة ودراية مما جعله ان يكون مرجع للصحابة في كل ما يعترضهم من المسائل العملية والمشاكل الادارية والمعضلات القضائية فلقد ثبت الخليفة عمر الخطاب انه قال ((لولا علي لهلك عمر )) وانه كان يقول ((أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها )) وثبت انه قال ((اقضانا علي ))وهذا ما أكدته كثير من المصادر مثل البداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الخلفاء للسيوطي والطبقات الكبرى لابن سعد .

ان هذه الأرضية التي تهيأت للإمام علي جعلته من المدافعين عن حقوق الإنسان وواضع نظرياتها الاولى حتى قبل ان توضع من قبل الثورة الفرنسية او العهد الدولي او من قبل الأمم المتحدة بالرغم من الفترة الزمنية الطويلة والمتباعدة بين العهدين مما يدلل على ان اهتمامات الإمام علي قد سبقت الكل في هذا الجانب وان الانسان هو الثروة الكبرى في المجتمع فقد كتبت مجلة الحقوق العراقية في عددها الثاني عام 1941 ((لا مراء ان عهد الامام علي الى عامله على مصر مالك الاشتر من أنفس الوقائع التاريخية الزاخرة بمباديء الحكم واساليب الادارة واصول التشريع واخلاق المسئولين واذا كانت الحضارة اليونانية تفخر على عالم العصر الحاضر بشريعة سولون والتاريخ الانكليزي يباهي حضارة اليوم بوثيقة ( ألمانحنا كارتا )والثورة الفرنسية تزهو بين تاريخ الثورات (باعلان حقوق الانسان ) فحسب الحضارة العربية الزاخرة مجدا وزهوا وسموا انها قدمت للاجيال المتعاقبة منذ اربعة عشر قرن ا لعهد الاميري الخالد على الدهر باعدل المباديء المقررة في فقه السياسة والتشريع )) مما يدلل ان هذه الوثيقة الدستورية التي جاءت في فترة زمنية اشتدت فيها المخاطر التي تحيط بالدول الإسلامية وما تعرضت له من هزات نتيجة للإعمال التي قامت بها بعض الولايات للتمرد على سلطة الدولة لشرعية التي يقودها الامام لكنة تعامل معها بروح يسودها الهدوء والاطمئنان وعدم التفريط بالحقوق المدنية والسياسية والتي يجب ان يتمتع بها المواطنين ليوصي احد عماله على الولايات التابعة له للتعامل مع الناس بهذه الروح التي تتسم بالتسامح والانفتاح وعدم ظلم الاخرين لانها ليست من صفات الحاكم العادل الذي يساوي بين الناس ويعمل من اجل توفير ما من شانه ان يحفظ لهم كرامتهم وحياتهم السعيدة حيث قال ((فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فان ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل عمد )).

ان وثيقة الامم المتحدة وفي مادتها الاولى تؤكد ((يولد جميع البشر احرار ومتساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا العقل والضمير وعليهم ان يعملوا تجاه بعضهم البعض بروح الاخوة )) ان هذه الفقرة كان قد تناولها الامام في رسائله الى ولاته وكذلك في خطاباته لمتكررة ليدلل لى اهمية الانسان في فكرة وان يتمتع بكافة حقوقة المدنية التي نصت عليها الدساتير وان لا يتعرض للتعذيب او الاضطهاد مما يجعله في مأمن عن كل ما يعرضه بان كرامته قد هدرت او ان حقوقه قد سلبت حيث قال في احد خطبه ((لاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا )) ليؤكد ان الناس يولدون احرار ومتساوين في الكرامة ولا يجوز التفرقة وعدم المساواة فيما بينهم طالما ان لله قد خلقهم احرار ومتساوين في الحقوق والواجبات ولا يجوز تمييز احدهما على الاخر بسبب اللون او الجنس او العقيدة . لقد دعت الامم المتحدة في تقريرها السنوي لعام 2002 الصادرعن برنامج الامم المتحدة الانمائي الخاص بحقوق الانسان وتحسن البيئة والميشة والتعليم في الدول العربية الى اتخاذ الامام علي مثالا لتشجيع المعرفة وتأسيس الدولة على مبادئ العدالة وقد احتوى التقرير المذكور الذي اشتمل على اكثر من مائة وستون صفحة على ست نقاط رئيسية أوصى بها الإمام عليه السلام قبل أكثر من 1000 عام مثلت العدالةوالمعرفة وحقوق الانسان . وقد جاء في التقرير مقتطفات من وصايا الإمام علي (ع) الخاصة برئيس الدولة ((:ان من نصب للناس نفسه إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره. وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه. فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم ))

وقال ((اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تحكمه الخصوم ولا يتمادى في الزلة, ولا يحصر من المضيء إلى الحق إذا عرفه. ولا تشرف نفسه على طمع)).

ان الاهتمام بحقوق الانسان والتعامل معها من الأولويات التي خطى الإمام علي في تحقيقها والتعامل معها من خلال سعيه الدءوب لتحقيق تلك المباديء التي تعلمها في صباه وانتهلها من بيت النبوة لتكون دليل عمل سار عليه سواء كان واليا او مواطنا عاديا تربى عليا وجعلها دستوره الذي لازمه ولم يحيد عنه ليطبق فيها مباديء العدالة والمساواة بالرغم من انفراط عقد الناس عنه مما جعله يعمل بقوة غير آبه لما يجري حوله طالما انه يشعر بانه سائر في طريق الحق ومتمسك به حيث قال ((اعلموا رحمكم الله انا في زمان القائل فيه بالحق قليل واللسان عن الصدق كليل واللازم للحق ذليل ))

ان الدفاع عن حقوق الإنسان جعل الإمام علي يقاوم الظلم ويشن عليه حربا شعواء على كل المتمردين والذين عملو من اجل مصالحهم الشخصية والانسياق وراء الاغراءا ت لغرض زعزعة امن الدولة واركانها وان الحرب الذي كان يقودها الغرض منها اقامة الحق ومقاومة الظلم السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا في تلك الفترة لذلك فان الكثير من اتباعه قد خضعو للترهيب الذي تعرضو له او للاغراءات المادية ليبتعدوا عنه لكنه اصر على مواصلة الطريق والاستمرار به وهو القائل ((لا تستوحشوا طريق الحق لقلة اهله فان الناس اصبحوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل )) ليدلل ان ما قام به ليست نزوة عابرة وانما مبادئ تربى عليها وأسس سلكها وأراد أن يطبقها من اجل أن تسود في مجتمع تملئه العدالة وتطبق فيه حقوق الإنسان .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك