المقالات

ليلة القدر وأثرها في تهذيب النفوس ومضاعفة الأجر وتقدير الأمور

1405 14:47:00 2008-09-21

( بقلم : حسن الهاشمي )

ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر فهي أفضل ليلة في السنة على الإطلاق بشهادة القرآن الكريم: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر• وما أدراك ما ليلة القدر• ليلة القدر خير من ألف شهر• تنزل الملائكة والروح فيها بأذن ربهم من كل أمر• سلام هي حتى مطلع الفجر).أجواء روحانية في رمضان حيث استجابة الدعاء في شهر الرحمة والغفران وفي ليلة يرتسم من خلالها مصير الإنسان هل أنه من السعداء أم من الأشقياء، المؤمن وحده هو الذي يقرر بتصميمه وإرادته في أية خانة يكون وأي منهج ينتخب، هي ليلة خير من ألف شهر في فضلها وكرمها وعطاءها، تحث الخيرين مضاعفة إحسانهم ومكابدة الطريق الشائك للعبور بسلام إلى شاطئ الأمان. فرصة ثمينة قد لا تتكرر ولا تسنح للعام المقبل وطالما تنغمس النفس في بحر الخطايا والذنوب فإنها بحاجة إلى محطات غسل وتشحيم وأهم تلك المحطات هي ليلة القدر تلك الليلة التي يكون العمل فيها من الصلاة والتلاوة والذكر، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من صام رمضان إيماناً واحتساباً، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه. ليلة تهتف فينا هلموا وتزودوا مني غذاء الروح والتقوى وهي تزرق المؤمن بأمصال المناعة ضد كل أشكال المعاصي والذنوب ومسارات الانحراف التي قد تعيق الحركة الإيمانية الفطرية للإنسان في مسيرته الكادحة، وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، وسميت بهذا الاسم (القدر) لأنها ليلة ذات قدر، أي لها شرف ومنزلة حيث نزل فيها كلام الله، ويعطي الله مَن عَبَدَهُ فيها وعمل الخير ثوابًا عظيمًا، وفي هذه الليلة تنزل الملائكة ومعهم جبريل (عليه السلام) على عباد الله المؤمنين يشاركونهم عبادتهم وقيامهم ويدعون لهم بالمغفرة والرحمة، وقال العلماء: الحكمة في إخفاء ليلة القدر، ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لأقتصر عليها.وقد اعتاد محبو أهل البيت (عليهم السلام) الاحتفال بإحياء ليلة التاسع عشر وليلة الواحد والعشرين وليلة الثالث والعشرين هذه الليالي المباركة من شهر رمضان الفضيل، وقد وردت أحاديث وروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) في استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) والحضور في مرقده المقدس طلبا للثواب والأجر الجزيل، حيث يحيي المسلمون كل عام ليلة القدر بذكر الله تعالى وعبادته وتلاوة القرآن الكريم وإقامة الصلاة وعمل الخير، ويدعو المسلم بما شاء من طلب الخيرات في الدنيا والآخرة لنفسه ولوالديه ولأهله وللمسلمين.وقد تعيش الحشود الإيمانية في جوار مرقد سيد الشهداء (عليه السلام) ساعات روحانية ونورانية كبيرة قل نظيرها في أي مكان آخر وهم يؤدون الأعمال المستحبة لهذه الليلة المباركة من رفع المصاحف على الرؤوس وتأدية صلوات ليلة القدر وقراءة أدعية الجوشن الكبير وأبي حمزة الثمالي والسحر إلى أذان الفجر يذكرون الله ويرتلون القران الكريم ويقرؤون بقية الأدعية والأعمال الخاصة بهذه الليلة العظيمة والتي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام).

وعن أهمية هذه الليلة المباركة كانت لنا جولة إيمانية في الوسط الإيماني لاستطلاع آراءهم عن بركات هذه الليلة وكيفية استقبالها من قبل المحبين وسياقات الأعمال التي يقدمونها بين يدي الجليل المتعال طلبا للمغفرة واستزادة لمتطلبات التقوى وأدوات النهوض الحضاري التي هي متوفرة في مضان الانقطاع القدري الذي يكون ضمن الأعمال المندوحة فيه طلب العلم والمعرفة، كذلك ما يساوقها من تفجع أمة الإسلام بجرح أمير المؤمنين في الليلة الأولى من ليالي القدر الذي يقول بشأنها عباس طالب وهو من أهالي كربلاء قائلا:

مع حلول أولى ليالي القدر المباركة والمتزامنة مع الذكرى السنوية الأليمة لجرح وشهادة مولانا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والتي تصادف ليلة 19 رمضان المبارك تتحول مدينة الإمام الحسين (عليه السلام) كربلاء الجهاد والفداء إلى مشهد عظيم تحفه الأجواء الروحية والعبادية بالنفحات الرمضانية الكريمة.فمع الساعات الأولى من ليلة القدر تبدأ طلائع القوافل البشرية الزاحفة من سائر المدن والمناطق العراقية، تدخل مدينة كربلاء المقدسة من مختلف بواباتها، وهي تحمل معها مشاعر الولاء والنصرة لأئمة أهل البيت الأطهار، والمواساة والعزاء بذكرى جرح واستشهاد الإمام علي (عليه السلام)، فنشاهد مواكب العزاء تترى على الضريح المبارك لسيد الشهداء لاسيما بعد الإفطار وهذه الأمواج تكون موصولة بحلقات الدعاء والتهجد المقامة في محال إجابة الدعاء تحت قبة الإمام الحسين عليه السلام.

وعن الخدمات المقدمة للزائرين الكرام يقول السيد ضرغام الموسوي أنه ومع حلول وقت الغروب وموعد الصلاة والإفطار، تتحول شوارع كربلاء وأزقتها وساحاتها العامة، ولاسيما العتبتين الحسينية والعباسية المقدستين ومنطقة ما بين الحرمين الشريفين إلى كتلة بشرية هائلة تضم في محيطها عشرات آلاف الزوار الوافدين لتأدية مراسيم العبادة والزيارة والمواساة لأهل البيت الكرام عليهم السلام، فالعديد من المؤسسات والهيئات الخيرية والإسلامية المتواجدة في كربلاء ولاسيما خدمة الإمام الحسين في العتبتين المقدستين تأخذ على عاتقها السعي باتجاه إعانة ومساعدة زوار الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وتقديم الخدمات اللازمة لهم وتأمين أماكن استقرارهم، كما نلاحظ سائر المكاتب المرجعية والمؤسسات الثقافية والهيئات الحسينية إقامتهم مراسم العزاء والمحاضرات والخطب المنبرية للحديث عن مناسبتي ليلة القدر ومنزلة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وعن العلاقة المترابطة ما بين القرآن الكريم وشهر رمضان المبارك وكذلك الحديث عن مناسبة ضربة أمير المؤمنين (عليه السلام).

وعن أثر الصيام في تهذيب النفوس ذكر لنا (أبو رحاب) الجامعي في كلية الشريعة من بغداد قائلا: إنّ الصيام فريضة عظيمة، يربيّ في النفوس الإرادات والملكات، ويغرس في جنابها الفضائل والكمالات، وفيه تتدرب النفوس على حمل المكروه وتحمّل المشاق والأعباء، وضبط نوازع الهزل والعبث فيها والتحكم في الأهواء.وفي الصوم امتحان لصبر الإنسان، والصبر رائد النصر، وقد جعله الله زمنا للنشاط وتكثيف الطاعات، وموسمًا للبذل والتسابق في الخيرات فلا يصحّ أن يكون مدعاة للعجز والكسل، وذريعة إلى التقصير في العمل؛ لأنه من الناحية الصحّية قوّة للجسم يدفع عنه كثيراً من الأمراض ويشفي فيه كثيراً من العلل، وهو من الناحية المعنوية يعطي المسلم قوّة الإيمان وصفاء النفس ونقاء الروح التي لها أكبر الأثر في سعادة الأمم أفرادًا وجماعات.

الأكاديمي والحوزوي الشيخ حيدر الحائري أكد بشأن الحكمة في نزول القرآن في ليلة القدر بقوله: كان إنزال القرآن في رمضان جملة واحدة في ليلة القدر، ثم نزل منجّما بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وأنّ نزول القرآن كان في شهر رمضان، والحكمة في تنزيل القرآن في هذا الشهر، يتبيّن منها الغرض من الترغيب في تلاوة الكتاب الكريم، وهو تعويض الصائم ما تركه من شهوات نفسه لله، ومدّه بالغذاء المبارك الذي به قوام الأرواح وزكاء النفوس، فكانت الحكمة أن اختار الله شهر رمضان ليكون موسما لتجديد الصلة بالله والرجوع إلى دينه والعكوف على كلامه، فيتجدّد تطهير البشر بهدى من إله الأوّلين والآخرين، وتتشبّع الألسنة والقلوب بتلاوة وتدبّر كلام قيّوم السماوات والأرضين.وعن علامات ليلة القدر ساق الشيخ الحائري ما ذكره محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الصّوم بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن علامة ليلة القدر، فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وان كانت في برد دفئت، وان كانت في حرّ بردت و طابت، وقد روى هذا الحديث أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه.ومن غير طريق أهل البيت علامات أيضا وإمارات لليلة القدر: فمن ذلك ما ذكره شهردار بن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس من نحو النّصف من المجلد الثاني، عن ابن عباس فقال: ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارّة و لا باردة، يصبح الشمس من يومها حمراء ضعيفة. وفي الختام تطرق سماحته في مسألة عقائدية في غاية الخطورة ألا وهي تقدير الأمور على العباد هل هي موجودة في الأزل أم في ليلة القدر؟ وهل يتنافى مع الاختيار؟قد يزعم البعض أن في ذلك تناقضاً في القرآن، فتارة يرى من تقدير الأمور مثبتاً في اللوح المحفوظ (في كتاب من قبل أن نبرأها) الحديد/ 22. وأخرى تقديرها في ليلة القدر لكل عام (فيها يفرق كل أمر حكيم) الدخان/ 4.قلت: ليس التقدير مما يختلف وإنما يختلف العلم به، فالذي يعلم تقدير الأمور ومجاريها أزلاً وفي اللوح المحفوظ هو الله وحده لا شريك له، وأما الذي يتنزل به ويطلع أولياءه عليه فهو في ليلة مباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان من كل عام، تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. يتنزلون بتقادير الأمور على الحجة القائم من أوليائه ليطلعه على مجاري الأمور في عامه ذلك، وبذلك تواترت روايات أئمة أهل البيت الصادقين (ع) ومن ثم فإن علمهم الحتمي بمجاري الأمور محدود بعامهم، دون علم الله المحيط الشامل.وهل يتنافى التقدير مع الاختيار؟ فمن المعروف أن التقدير السابق لا يعدو سوى العلم بما سيقع وتقديره حسبما يقع، من غير أن يكون العلم السابق ذا أثر في تحقق المعلوم، فإن للظواهر الكونية عللاً وأسباباً تكوينية هي التي تؤثر في الفعل والانفعال التكوينيين، كما أن للأفعال الاختيارية الصادرة من الفاعل المختار (الحيوان والإنسان) سبباً مباشراً هي إرادته بالذات وليس مقهوراً فيها.فإذا كان الله يعلم ـ أزلاً ـ ماذا سيقع وسيتحقق عبر الأبد ثم قدّر مجاريها ودبّر من شؤونها بما يتوائم ونظام الكون فهذا لا يعني الإجبار، ولاسيما فيما يعود إلى أعمال يقوم بها الإنسان حسب إرادته واختياره، وليس من المنطق أن يُفرض العلم بأمر علةً لوجوده.والتقدير السابق، إنما هو العلم بالأسباب والمسببات ـ كما هي ـ ثم تدبير مجاريها حسب نظام الكون، فلا هناك جبر ولا سلب للمسؤولية فيما يمس أفعال العباد الاختيارية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك