المقالات

الحسين يرعب قاتليه

1143 06:38:00 2008-09-25

( بقلم : محمد علي المياحي )

شاهدنا وشاهد الجميع كيف توقف برنامج الحوار الصريح في قناة المستقلة بعد أن طرح أحد الضيوف رأياً مضمونه أن اللعن عقيدة قرآنية.  وبغض النظر عن مناقشة النظرية المطروحة إثباتاً أو نفياً، يثير استغرابنا هذه الحركة الانفعالية من إدارة البرنامج، بحيث تقرر إيقاف البرنامج بالكامل، في حين أن هذا الرأي لا يقل خطورة عما طرح خلال الأيام الماضية، وكان المفترض ـ منطقياً ـ أن يناقش هذا الرأي في ضوء الكتاب والسنة كما نوقش ما سبقه من الآراء. وقد بررت القناة في اليوم التالي هذا الإجراء بأن الرأي المذكور يتعارض مع سياسة القناة في إشاعة روح الحب والتسامح بين المسلمين، والحال أنها أكثر القنوات إيغالاً في تفريق المسلمين وتشتيتهم وإشاعة الكراهية بينهم.  ولكي نعرف السر علينا أن نعود قليلاً للبحث في موضوع اللعن لنرى موقف أهل السنة منه، ثم نتابع تطبيقاتهم العملية:

إن موقف جمهور أهل السنة باختصار هو: «أنه لا يجوز لعن المعيَّن، فاسقاً كان أو ذمياً، حياً كان أو ميتاً، ولم يعلم موته على الكفر، لاحتمال أن يختم له أو ختم له بالإسلام، بخلاف من علم موته على الكفر، كأبي جهل» أما اللعن بالصفة فيجوز عندهم، كأن تقول: لعنة الله على الظالمين أو الكافرين، بأن تذكر الصفة أو الجنس دون فرد بعينه.  وخالف في ذلك شيخ الإسلام السراج البلقيني حيث ذهب إلى جواز لعن العاصي المعيَّن.

هذا هو الموقف النظري عند أهل السنة. أما الموقف العملي فعلى العكس من ذلك تماماً، حيث اختلفوا في لعن يزيد بن معاوية وقتلة الحسين عليه السلام ومن رضي بقتله، فالجمهور على جواز لعنه، ولم يخالف في ذلك إلا الغزالي والسفاريني وابن العربي. فممن جزم بكفره ولعنه: القاضي أبو يعلى وابن الجوزي الذي ألف كتاباً في جواز لعنه، وجلال الدين السيوطي وغيرهم. وقال العلامة التفتازاني: «لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه».

وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون: «من الاعتقادات العامة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أن يقولوا: إن يزيد كان على الصواب وأن الحسين رضي الله تعالى عنه أخطأ في الخروج عليه، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كل قبيح. ثم لو قدرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه بواد كلها توجب فسخ العقد ولا يميل إلى ذلك إلا كل جاهل عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة». وقال في كتابه «الرد على المتعصب العنيد الماتع من ذم يزيد»: « أجاز العلماء الورعون لعنه». وقال الآلوسي: «وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله (على التعيين) ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين ، والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويلحق به ابن زياد، وابن سعد، وجماعة، فلعنة الله عز وجل عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين».

وقال أيضاً: «ومن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضليل فليقل: لعن الله عز وجل من رضي بقتل الحسين، ومن آذى عترة النبي صلى الله عليه وسلم بغير حق، ومن غصبهم حقهم، فإنه يكون لاعناً له، لدخوله تحت العموم دخولاً أولياً في نفس الأمر، ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المار ذكره وموافقيه فإنهم ـ على ظاهر ما نقل عنهم ـ لا يجوزون لعن من رضي بقتل الحسين رضي الله تعالى عنه، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد».

ونقل العلامة التفتازاني إجماع السلف في هذه المسألة، فقال في كتابه (شرح العقائد النسفية) ما نصه: «اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به. والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه». و قال المولى ابن الكمال: «والحق أن لعن يزيد ـ على اشتهار كفره وتواتر فظاعته وشره على ما عرف بتفاصيله ـ جائز، وإلا فلعن المعين ولو فاسقاً لا يجوز، بخلاف الجنس».  وقال الكياهراسي (وهو من أكبر علماء الشافعية في القرن الخامس) لما سئل عن جواز لعن يزيد: «وأما قول السلف ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح، ولمالك قولان: تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد: التصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر وشعره في الخمر معلوم»

وهنا يأتي دورنا في البحث عن السر في إيقاف البرنامج (الصريح جداً) فالبحث في اللعن ربما يؤدي إلى كشف هذه المفارقة العجيبة بين النظرية والتطبيق، فعلماء أهل السنة مع تشددهم في عدم اللعن، وحصرهم اللعن في الجنس أو الصفة ـ كما قالوا ـ ونظريتهم المحكمة في محاصرة الأحاديث النبوية التي لعن فيها صلى الله عليه وآله بعض الأشخاص في حياته، إلا أنهم لم يتوقفوا في الخروج عن هذا في يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وقتلة الحسين، بل تحمسوا في لعنهم (على التعيين) والسبب في ذلك (إيذاء عترة النبي بغير حق وغصبهم حقهم). وجزاهم الله خيراً فيما فعلوا.

هنا يوضع الجميع على المحك، فنقول: إن وقفتم مع الجمهور في هذه النظرية، وهي جواز اللعن بالصفة والجنس (كما صرح بذلك عرعور)، فنحن نقف معهم في النظرية والتطبيق. فيمكننا أن نقول كما قالوا:  لعن الله عز وجل من رضي بقتل الحسين ومن آذى عترة النبي صلى الله عليه وسلم بغير حق ومن غصبهم حقهم. فاسمحوا لنا إذن أن نردد هذا اللعن عملاً بقول الجمهور.

ولنا كذلك أن نقف معهم في التطبيق، لأنهم بلعنهم يزيد وعبيد الله وعمر بن سعد خرجوا عن قصر اللعن على الصفة والجنس، فلنا إذن أن نلعن بعض الملعونين على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فالمدخل القاتل الذي كان يتوقعه المتحاورون في المستقلة ـ وإن كانوا يتحكمون بالحوار بشدة ـ هو أن يهاجمهم الحسين عليه السلام، من هذه الثغرة أو من غيرها ـ كزيارة عاشوراء مثلاً ـ وبذلك يُنسف ما تريد المستقلة ترويجه من أن الشيعة مبتدعة ومن بدعهم أنهم يتخذون اللعن ديناً. فلله درك يا أبا عبد الله ! أرعبتهم حياً، وأفزعتهم خضيباً، وأرعبتهم ثاوياًَ.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو حيدر -عراقي
2008-09-25
اقبل يدك واناملك لما كتبت وجزاك الله خيرا عن الرسول وال بيته الاطهار عليهم صلوات الله وسلامه نحن بحاجة لمثل هذا النقل والسرد لما في كتبهم لالقاء لحجة عليهم من كتبهم...فهلا توجة السادة طلاب العلوم الدينية لهكذا مسلك وهكذا دراسة ونشرها بعد ذلك على الانترنت وفقكم الله
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك