المقالات

آثارنا هويتنا التي تقاسمها العارفون والجاهلون

1630 22:43:00 2006-09-19

( بقلم : نزار عبد الواحد الراضي )

أتذكر زيارتي الأولى للمتحف العراقي وأنا في المرحلة الأولى من دراسة البكالوريوس أواخر الثمانيات من القرن الماضي و استشعر لهذه اللحظة السكون الذي لف جميع زملائي الطلاب والطالبات ونحن نقف أمام شموخ ما تركه لنا أجدادنا من آثار وشواخص تبعث الفخر والاعتزاز حتى أننا توزعنا بين الطاولات والصناديق الزجاجية مشدودين بقوة جعلتنا لا نمل النظر والتحديق والتدقيق والتمحيص ولعلنا كنا نحاول ان نحصل على قوة تعصف أرواحنا وتدفعها نحو الأمام فلم يكن لدينا أمل في الحياة لان اتونا كبيرا كان مستعرا حولنا آنذاك.وبعد سنوات سأصفها بالطويلة والحق أقول إنها اكبر من هذا الوصف، يأخذني الشغف مرة أخرى إلى متحفنا الأثير وأنا محتاج ان أتزود شيئا من الجلد والصبر فلم أجد سواه ملاذا وهكذا قطعت المئات من الأميال صعودا من الجنوب المرهق إلى الشمال باتجاه العاصمة بغداد التي اعتبرها الأم والصدر الرؤوم لكل العراقيين ففي حناياها تشربنا بالعلم والمعرفة وساعات اللهو وفيها عوفينا من علل كثيرة ولهذا فلبغداد دين وأمانة كبرى في أعناق العراقيين جميعا .

بعد عناء سفر مرهق في يوم تموزي قائض تعبر خطاي بعد عشر من السنين بوابة المتحف العراقي وتشاء الصدفة ان أقابل واحد من زملائي وقد شغل وظيفة في قسم التنقيبات في هيئة الآثار العراقية وكم كان متحمسا لعمله وفرحا به رغم ان مردوده المالي ومرتبة لا يفي ما يلاقيه من عناء خاصة عندما يكون عملة في احد المواقع الأثرية المنتشرة في جميع جهات العراق وكانت لها حرمة ومهابة لايستطيع أي شخص ان يتجاسر عليها عبثا أو سرقة أو حتى فضولا ؟؟.

ومع إني غبطته على حماسته التي أراني وقتها لم أكن أتحلى بها جراء صعوبة المعيشة بكرامة وسط بؤس الملايين من أبناء الوطن فراح يعرفني على زملائه ويشرح لي على خريطة خاصة بالمواقع الأثرية أهم الأماكن التي عمل فيها وما تم الوصول إليه من معلومات تجعل منا حاملين لقصب السبق والريادة بين أمم الأرض وبعد ان سرنا باتجاه صالات العرض الكبرى المرتبة الأنيقة في المتحف حدثته عن هاجسي الذي حملني مشاق السفر وأوصلني إلى هنا ، لم يفاجأ زميلي وأشار إلى ان ما جعله يقبل العمل بالمرتب القليل الذي لا يفي بمتطلبات عائلته هو نفس الهاجس الذي قادني من البعيد .

هذه القيمة التي حفرتها فينا آثارنا العريقة جعلتنا لليوم أشداء، أجدها اليوم سلعة بيد العارفين والجهلاء ، تتخطفها العيون بلا رحمة فالجاهل همة ان يجني ربحا ماديا هو ابخس ثمنا من الماء في حارة السقاءين والعارف همة ان يتجنح جناحي ثور آشور نحو الثراء الفاحش السريع ولعل قسوة الأخير أكثر وشراهته اكبر على بقايا الأجداد ؟

وانتم أيها الأحفاد من سومريين وآشوريين وبابليين، يا أيها العراقيين تعرفون ان آثارنا هي الهوية التي نباهي بها الشقر والصفر والسمر من أبناء المعمورة فلتكن لكم غيرة وحرص على هويتكم واحموها من أيدي العابثين ولا أريد ان أعيد على مسامعكم قصة المتحف العراقي ومتاحف هيئة الآثار في المحافظات التي نهبت وأصبحت مخازن للغبار والعطش .

وأعيد صوتي إليكم احموا ما بقى وتسابقوا لحفظ الباقي من السراق واللصوص العابثين فالكثير من المواقع الأثرية ليس لها حام أو حسيب ، ولا يتصور البعض ان دعوتنا هذه من باب البعد عن الواقع صحيح أننا نعيش في ظل القتل والتشريد والدمار اليومي إلا ان هويتنا الباقية تحتاج منا التضحية وأحيانا القليل من اللامعقول وليس هذا الصوت ببعيد عن وزارة السياحة والآثار فهي الأخرى عليها إعادة النظر في الكثير من الأمور لعل في مقدمتها حماية الآثار من خلال الحراس الذين لازالوا يعانون الأمرين مرارة المعيشة ومرارة ان يشاهدوا لصوصا ينبشون المواقع وليس معهم سوى اضعف الإيمان فلا نريد منكم اليوم الأضعف بل نريد الأقوى للحفاظ على زهو الأجيال القادمة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك