عبد الله الجزائري
تتزايد وتيرة استهدافات الحشد الشعبي المقدس بالطائرات المسيرة وتتراجع في نفس الوقت ردود الافعال ازاءها لتُقارب وتحذو حذو الصمت الرهيب والمخيف الذي تتخذه كثير من الجهات، والحق اقول في موضوع الحشد الشعبي ولا اخاف في الله لومة لائم، ان الحشد منذ بداية تشكيله اختلفت فيه ثلاث فرق، فرقة ناجية وهي التي اوجدته ودعمته ولازالت تدعمه ولا تخشى في نسبته اليها، وفرقة قضت منه وطراً بمقدار حاجتها له فلما قضي الاجل اصبح عبئاً عليها وتحاول ان تنأى بنفسها عنه والتخلص من عنوانه ونسبته اليها ودمجه او تذويبه في الجيش التقليدي، وفرقة كارهة له وناصبة له العداء منذ بداية تشكيله منتظرة بفارغ الصبر حله او انهاء دوره وتتشفى باستهدافه.
قد تظن الفرقة الثانية وتصطف معها الفرقة الثالثة الاخرى نفاقاً ونكالاً بالحشد، قد تظن ان في الجيش العراقي الشجاع والمجاهد كفاية لدرء كل اشكال العدوان وأجيال الجيوش وأنواع الحروب التي استجدت في هذا العصر، عصر العولمة والتكنولوجيا، الذي فرض انماط وأبعاد جديدة للحرب وجيوشها، والحال ان عصر الحروب التقليدية والجيوش الكلاسيكية قد ولى الى غير رجعة ، وظهرت للجيوش اجيال اولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة، ومثلها للحروب ومنها الحروب الالكترونية والسيبيرية وحروب المسيرات وغيرها، بينما بقيت بعض العروش والامبراطوريات على حالها.
ونقول، متجاوزين اعداء الحشد، ان الفرقة الثانية تعاني من قصر النظر، وجهل بالتاريخ علماً وفلسفةً، وقد توقف عندها الزمن وسبقتها التطورات التأريخية والاجتماعية والسياسية بمراحل، وهي لا تزال تعيش الماضي، والحياة مع الماضي توقف، وتصور رجوع الجيش الى سيرته الاولى دوراً وتأثيراً واستقلالاً كما كان ايام الثورات والزعامات الوطنية محض اوهام او اضغاث احلام ، لان هناك تطور او تحول بعيد المدى في النظرية السياسية، وخلط مقصود بين المدني والعسكري.
فعندما استشعرت القوى العظمى والغربية منها على وجه التحديد دور الجيوش الوطنية في الحياة السياسية من خلال احداث ثورات او "انقلابات" بزعامات عسكرية وطنية ونجحت في اقامة حكومات مستقلة الى حدٍ ما او تبنت مبدأ عدم الانحياز في علاقاتها الدولية او مشروع مستقل عن المعسكرين الغربي والشرقي كالمشروع القومي او الاسلامي، سارع الغرب في استحداث نظرية او فكرة الدولة المدنية والنظام السياسي الديمقراطي الذي يجعل من المدني قائداً للعسكر على مستوى القيادة العامة ووزير الدفاع.
وبذلك خرج الجيش من معادلة الصراع لان المدني على الاعم الاغلب محكوم بسلسة مراجع سياسية وصراع ارادات تقيد حركته وقراراته، اذا لم يكن مضمون الولاء والعمالة للقوى العظمى او موظف لديها يعتاش على بيع المواقف لدوام حكمه وبقاء ملكه، وهذا هو السر الذي جعل واشنطن انتقائية في تصدير الديمقراطية للبلدان، وفيه اجابة للسائلين عن سبب بقاء ممالك الخليج وراثة وحكم عوائل ومشايخ ، بينما نرى دولاً كالعراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا وتونس والجزائر تعاني العجز والشلل والفشل بسبب فرض النظام الديمقراطي،
سيضرب لنا بعض المغفلين والجاهلين لأحكام التاريخ في الدول الغربية مثلاً اعلى وأنموذجا للنظام الديمقراطي متناسياً او متجاهلاً ضرورة استيفاء بلدان العالم الثالث مراحل التطور التأريخي والنمو الطبقي وتكريس الولاء والانتماء وترسيخ الهوية الوطنية وجعل الوطن وطن مستدام قبل التنمية، وقصارى القول ان الحشد الشعبي المقدس فرصة ذهبية وتاريخية وقوة ردع استراتيجي من المؤسف تضييعها، والذين زهدوا به وخذلوه لن ينجو من حكم الله وحكم التأريخ ، ومن يتخلى عن الحشد الا من سفه نفسه وسخف عقله.
https://telegram.me/buratha
