سلمى الزيدي ||
نحتاج إلى اجتراح نهج جديد؛ ومقاربة مغايرة، للتعاطي مع مستقبل الإعلام، والتأسيس لإعلام المستقبل ، وإحداث القطيعة مع عهود الركود والجمود، واستحكام الأمزجة الفردية والسياسات الارتجالية ؛ سبيلا إلى التمهين والتمكين، لقيم العمل الصحفي الناضج الناصع، والنابع من رؤية إعلامية قارة واستراتيجية اتصالية مدروسة.
يشهد الإعلام فى عصرنا الراهن ؛تطورا مذهلا بين الفينة والأخرى، وهو يشكل مصدر قوة وسند للأنظمة والبلدان؛ إذا تم استغلاله بناء على أسس مهنية وموضوعية ومؤسسية، أما إذا أسيئ استخدامه؛ فإنه يؤدى إلى إضعافها، والنيل من مصداقيتها وصيدها السياسي، وذلك ما يقتضى فهما عميقا، لرهانات مستقبل الإعلام وأثره فى الرأي العام.
لاشك أن التطور المذهل؛ فى ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهيمنة الأنترنت وظهور الذكاء الاصطناعي، وذوبان الفروق بين المرسل والمتلقي، كل ذلك قد انعكس على مستقبل الإعلام، وأدى لبروز إعلام جديد له مواصفاته الخاصة، وقد يكون بقاء وسائل الإعلام التقليدي، واستمرارية وجودها مرهونا بمدى قدرتها؛ على مجاراة الوسائط الجديدة فى تقديم الخدمات والمعارف والمعلومات.
وسائط الإعلام الجديد وفى مقدمتها (الفيسبوك)، تطرح على الحكومات تحديات غير مسبوقة، تستدعى تطوير إعلامها العمومي، وتنقيته من شوائب اللغة الخشبية، وتخليصه من الدعاية الفجة وإكسابه مزيدا من المهنية والمصداقية.
وتنطلق وسائل الإعلام الناجحة، في توصيل خطابها وأداء رسالتها؛ من رسم استراتيجيات رصينة، تحقق غاياتها وأهدافها، وتحدد جمهورها ومتابعيها، وترصد طواقمها البشرية ووسائلها اللوجستية، وتجندها لخدمة محتويات ومضامين المادة الإعلامية؛ استلهاما لثالوث العملية الاتصالية: (المنتج – الرسالة - المستقبل).
أصبح التخصص في عصرنا الراه ، في جميع حقول المعرفة أمرا لا غنى عنه، وخصوصا في حقل الإعلام؛ فهو جزء من متطلبات الإبداع والابتكار والجودة والإتقان، عكس التداخل غير المنهجي بين الوسائل الإعلامية، والنزعة الغريبة نحو الشمولية والموسوعية الموهوم ، وما ينجم عنها من خلط للأدوار والتباس في الوظائف، وتشعب في الأنشطة وتشويش على الصلاحيات؛ يؤدى في المحصلة إلى فشل ذريع في جميع المجالات، ولا يعنى ذلك الانغلاق والتقوقع، في عصر التطورات المتلاحقة والمتسارعة في تكنلوجيا الاتصال والمعلومات، وما أفرزته من ثورة رقمية وتقنية؛ واندماج بين الوسائط المتعددة ، فوسائل الإعلام التقليدي مطالبة بالانفتاح على تقنيات "الإعلام الجديد" والاستفادة منها؛ لتنويع وسائطها وتوصيل إنتاجها وتوسيع قاعدة متابعيها، غير أن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب هوية المؤسسة نفسها، والرسالة الإعلامية المنوطة بها.
ولست ممن يحتفون كثيرا بالنقاش المحتدم حول ثنائية "القديم والجديد" وأيهما أجدى وأكثر تأثيرا وفعالية؟!..إن المسألة من هذه الزاوية ذات بعد شكلي خالص، في الوقت الذي يتعين النظر إليها من حيث المضمون والمحتوى والعمق الدلالي ؛ فالجدة أوالتقنية ليست مزية فى حد ذاتها ، بل هي قالب ووعاء ، والعبرة تكمن في الفكر الذي تحمله، والأنساق المعرفية والسوسيولوجية التي تحدثها في المستقبل والمتلقي.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha