طيب العراقي
إحتجنا الى قرابة ثلاثة عشر عاما لنقر بعدها قانونا للأحزاب، ينظم الحياة السياسية في بلدنا، ولم يتم تأخير إقرار هذا القانون كل هذه المدة الطويلة، إلا لأن الأحزاب والقوى السياسية، كانت تريد تفصيل قانون على مقاساتها، قانون يناسب الفوضى السياسية التي تعيشها تلك الأحزاب، على صعيد وجودها الوطني، وعلى صعيد علاقتها بعضها ببعض، وعلى صعيد علاقتها بالدولة، وصعيد أوضاعها الداخلية، وبنيتها التنظيمية.
في محاولة للبحث في أسباب فوضى العمل السياسي والحزبي، نستطيع القول؛ أنه وبرغم الإنفلات السياسي بُعيد سقوط نظام القهر الصدامي، فإن هذا الإنفلات لا يعبر عن حيوية الحياة السياسية في العراق، فهي تبدو وكأن لا جديد فيها، وهذا أمر طبيعي ناتج عن عقود طويلة من الجمود السياسي.
هذا أيضا يفسر أن السنوات الستة عشر المنصرمة، كانت عاجزة عن أنتاج طبقة سياسية؛ تستطيع إنتاج مشروع مستقبلي، إذ ومع أن تلك السنوات ليست بالقليلة، لكننا مازلنا نعمل بذات الوجوه وذات الأدوات؛ التي ركبت صهوة تاريخنا في غفلة منا؛ بعيد التغيير النيساني الكبير عام 2003.
لقد أهالت تلك الوجوه بكلاحتها المفرطة، التراب على آمالنا بالتغيير الجدي، وجعلت تلك الآمال مجرد أحاديث ألم، نتداولها في لقاءاتنا ومنتدياتنا، وفي وسائل التواصل الإجتماعي، التي تعج لآلاف المنشورات التي تحكي قصص ألم، معظم أسابابها تقع على عاتق الطبقة السياسية المتصدية.
بعد عدة شهور من فورة الفرح العارم، الذي إجتاح العراق إثر زوال نظام القيح الصدامي، عام 2003؛ سرعان ما ذهبت السكرة وجائت الفكرة، فإصلاح الأوضاع تحول الى قضية عدمية، تقع تحت طائلة الجدل الدائم، ليس على الأولويات أو الوسائل، بل لصالح بقاء الأوضاع على ما هي عليها، وهذا يكشف حجم النفوذ؛ الذي يتمتع به بقايا النظام الصدامي في واقعنا الجديد..!
إنهم موجودون في كل مكان، في مؤسسات الدولة جميعا، وفي قيادات الأحزاب الجديدة، بعد أن لبسوا قمصانها وأربطة عنقها؛ بألوانها المتغيرة كل موسم إنتخابي، وبعد أن وضعوا على ياقات ستراتهم بروشاتها البراقة، وبعد أن كيفوا وضع لحاهم، متمظهرين بمظهر الحزب الذي فتح لهم بابه، وهم موجودين اليوم وبقوة؛ في الجيش والقوات الأمنية، ليسوا كمنتسبين بل كقادة مخططين وميدانيين!
هذا الوضع؛ أفرز حالة معمقة ومتجذرة من عدم الثقة، بين الشعب والدولة برمتها..عدم ثقة مع الحكومة والبرلمان، وعدم ثقة مع المؤسسات السياسية والقضائة والخدمية والأمنية، خصوصا ذات الصلة المباشرة بالشعب، ومع الأحزاب السياسية قاطبة، وبين الأحزاب السياسية ذاتها بعضها مع بعض..
لنا في المشهد الراهن ألف مثال ومثال؛ على أولئك "الزعماء"؛ الذين لم يبرحوا كراسيهم منذ أن اعتلوها، لكنهم لا يستحون من الحديث عن التداول على السلطة سلميا.
الخلاصة؛ هي أن الأحزاب قد أصبحت دكاكين، تديرها شراذم إنتهازية إنتفاعية؛ تلهج ليلا ونهارا بذكر زعيم الحزب الأوحد!
https://telegram.me/buratha
