نور علي
من المظاهر الشائعة في مجتمعنا العراقي هو شكل المثقف .
فنجد مثلاً من يريد أن تُطلق عليه هذه التسمية يذهب كل جمعة في شارع المتنبي ، يحتسي القهوة المُرّة ، يبعثر شعره و يطلق لحيته. أو يستمع لأغاني ام كلثوم أو عبد الحليم أو ناظم الغزالي .
و هذا خلط واضح بين مفهومي الثقافة و الذوق . فالميل إلى نوع معين من الأغاني أو الأماكن هو ذوق و هو بطبيعة الحال يختلف من شخصٍ لآخر و لا يعبر بالضرورة عن ثقافة .
و من المظاهر الخاطئة الشائعة ، أو من المُلابسات أيضاً ان المثقف هو صاحب الشهادات المرموقة .
فوفقاً لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي في تفريقه بين المتعلم و المثقف يقول ( المتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق اطار الأفكار الذي إعتاد عليه منذ صغره . فهو لم يزدد من العلم إلا ما زاد في تعصبه و ضيّق مجال نظره . أما المثقف هو يمتاز بمرونة رأيه و إستعداده لتلقي كل فكرة جديدة و التأمل فيها و وجه الصواب منها ) .
فالمثقف ، الذي ربما يكون البقال أو الحدقچي - لا إستصغاراً بمهنهم - أو ربما شخص " يحتسي" الشاي بدل القهوة ، هو صاحب ذائقة فكرية قابلة للتمدد و التغير من دون تعصب أو رجعية . و الذي يقرأ ليس ما يدعم وجهة نظره أو مذهبه فقط بل حتى ما يخالفه و يدحضه .
على سبيل الاطلاع و زيادة المعرفة و الوصول للحقيقة ، التي قد تكون مخالفة لما آمن به قبلا ، لا على سبيل الرد على من أو ما يخالف رأيه أو مذهبه .
حقيقة أن شخصية المثقف قد تم تشويهها في زمننا المتحضّر ؛ يتركه دون حضارة و دعائم او ركائز حقيقية . فنلمس جهلاً ، تعصباً ، فساداً في مجتمعنا و الذي بدوره ينعكس في الحكومة التي لا تجد من يقومها ، فقط أشخاص وضعوا عليهم رداءاً لا ينتمي لهم .
https://telegram.me/buratha
