المقالات

لائحة الإرهاب .. أداة الابتزاز السياسي الأمريكي  


خالد الخفاجي Khalid.alkhafaji@yahoo.com

 

تثير المعايير المعتمدة في اللائحة الأميركية للإرهاب الكثير من الجدل على الصعيدين القانوني والسياسي الدوليين، ويرى الكثير من الخبراء القانونيين والمحللين السياسيين إنها ترتكز إلى حد كبير على اعتبارات سياسية أكثر من كون هذه الدول والتنظيمات تشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي, ناهيك عن رفض البيت الأبيض إثبات أو تبرير سبب إدراج أسماء بعض الأشخاص والأحزاب والتنظيمات والدول على اللائحة وهي ابعد ما تكون عن الإرهاب, بل إن هناك تعمد واضح في الخلط مابين الإرهاب والمقاومة ضد القوى الاستعمارية الغاشمة التي كفلتها جميع الشرائع والقوانين.

من الأمثلة الأكثر وضوحا عن ابتعاد هذه اللائحة عن مضامينها هو وجود اسم الشخصية الأفريقية المناضلة "نيلسون مانديلا" وهو في أوج نضاله ضد نظام الفصل العنصري في بريتوريا وقد أدرج ضمن هذه اللائحة كإرهابي, والأغرب أن مانديلا الذي حاز على جائزة نوبل للسلام عام 1993 ظل إرهابيا في نظر الأمريكان لغاية عام 2008 حينما لم يجد الكونغرس مناصا من إزالته من اللائحة بعد اليأس من تطويعه لترويج السياسات الأمريكية في افريقيا, ومن هنا تتضح وجهة نظر الإدارة الأمريكية في كيفية تصنيف الإرهابيين.

بلا شك إن هذه اللائحة تمثل إحدى أدوات الابتزاز السياسي الأمريكية للدول التي تدرج بصفتها راعية للإرهاب, وهي إحدى الوسائل العديدة للتأثير في مواقف السياسات الخارجية العامة للدولة المدرجة.

 إذا ما علمنا إن اغلب الدول المدرجة ضمن اللائحة هي دول لا تروق لواشنطن وليست على وفاق معها أو مع حلفاءها, فقد أدرجت إيران عام 1984 لدعمها حزب الله اللبناني وعشرة فصائل مقاومة فلسطينية من بينها حماس والجهاد الإسلامي. وكوبا أيضا أدرجت لدعمها حركات التحرر في أمريكا اللاتينية, وكوريا الشمالية لدعمها بعض الحركات الإرهابية وفق التصنيف الأمريكي للإرهاب, ثم تلويح الرئيس الأمريكي "ترامب" بإدراج فنزويلا كدولة راعية للإرهاب لأنها "لا تتعاون بشكل كامل مع جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية" وفق ماجاء في تقرير الخارجية الأمريكية !

يشير "قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب" لعام 2004 إلى أنه "حتى في حالة انخراط منظمة ما في أعمال إرهابية أو احتفاظها بقدراتها واحتفاظها بنيتها على القيام بالأعمال الإرهابية، فإن اعتبارات الأمن الوطني قد تخول حذفها من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية", وهذا يعني إن القانون منح الإدارة الأمريكية إمكانية شطب أية منظمة إرهابية بعد استمالتها إلى جانبها والتحالف معها متى ما وجدت إن مصالحها تقتضي ذلك لشن الحروب بالإنابة التي تعد من أهم الاستراتيجيات العسكرية للولايات المتحدة في حروب القرن الواحد والعشرون, وتضرب قاعدة (لا تفاوض مع الإرهابيين) التي ترفعها وتفرضها على حلفاءها عرض الحائط, حتى بات واضحا إن هذه اللائحة ليست ذات هدف محدد وثابت في مكافحة الإرهاب وإنما هي لائحة متغيرة بحسب تغير المواقف الأمريكية وخارطة تحالفاتها وارتباطها بتحقيق المصالح الأمريكية.

من هنا نلحظ إن التغيير في السياسات الأمريكية وطريقة التعاطي مع الدول والمنظمات المدرجة يتوقف على ضعف الدولة ورضوخها أو جزع الولايات المتحدة من استمالتها فتقدم الجزرة على العصا.

 لقد أدرج اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1993, مع أسماء بعض السودانيين قيل إنهم متورطون في النزاع في دارفور، فيما تشير الأسباب الحقيقية الى ارتباط الحكومة السودانية بعلاقات طيبة مع إيران وليبيا وحركة حماس وكانت معبرا للسلاح الإيراني لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

 كما أضيفت كوبا إلى اللائحة الأمريكية عام 1982 لدعمها بعض الحركات المسلحة والمصنفة بالإرهابية بحسب اللائحة الأمريكية طبعا، ولكنها رفعت من القائمة في عام 2015 في إطار تقارب تاريخي بين البلدين بعد تنحي الرئيس "فيديل كاسترو" وتولي شقيقه "راؤول" الحكم لتكون بداية لسياسة تودد أمريكي نحو كوبا ومحاولة فاشلة لاحتوائها, أما كوريا الشمالية، فأدرجت عام 1988 في قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن الإدارة الأمريكية رفعت اسمها من اللائحة عام 2008 في عهد الرئيس "جورج بوش" عقب الدخول في مفاوضات مع بيونغ يانغ لحثها على وقف أنشطتها النووية.

لقد استخدمت واشنطن أساليبها القذرة لاستمالة أعضاء هذه اللائحة من المنظمات الإرهابية وإغرائهم برفع اسمهم من اللائحة لخوض حروبها بالإنابة, فمنذ الإعلان عن هذه اللائحة عام 1997 صنفت منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية كمنظمة إرهابية بعد تدهور العلاقات مع النظام العراقي السابق الذي كان يأويها, ولكن مع تغير بوصلة الأعداء المحتملين لواشنطن واتجاهها نحو إيران وتوقيع منظمة "مجاهدي خلق" اتفاقا مع القوات الأميركية قبل غزو العراق بوضع مقاتليهم تحت سيطرة الجيش الأميركي فقد قررت الولايات المتحدة رفع اسم المنظمة من لائحة المنظمات الإرهابية عام 2012, خاصة بعد اندلاع الأزمة السورية وإمكانية استخدام مقاتليها في الحرب الدائرة هناك, وفعلا جرت مفاوضات عديدة بين المنظمة وما يسمى بالمعارضة السورية لتنسيق الجهود وتبادل الخبرات في الأعمال الإرهابية وبرعاية فرنسية, كما رسخت واشنطن عدم مصداقية هذه اللائحة واستخداماتها السياسية حتى عند اقرب حلفاءها, وباتت تركيا الحليف الأقوى في الشرق الأوسط تشعر بالقلق إزاء الدعم المادي والعسكري اللامنقطع لحزب العمال التركي, رغم تصنيفه كمنظمة إرهابية حسب اللوائح الأمريكية والبريطانية والاتحاد الأوربي, وإسناده عملياتيا للسيطرة على منطقة نفوذ مهمة  بين تركيا وسوريا والعراق تمتد الى إيران عبر الإقليم الكردي العراقي لتكون قاعدة وملاذا آمنا للحركات الإرهابية المدعومة من واشنطن لإقلاق هذه الدول, وأخيرا انخراط واشنطن في مفاوضات مع حركة "طالبان" إحدى أعتى المنظمات الإرهابية وصنيعة المخابرات الباكستانية الحليفة لإحلال السلام في أفغانستان, ولإشغالها بحرب لاهوادة فيها مع تنظيم إرهابي آخر (داعش) لإبقاء هذه المنطقة الحيوية المتاخمة لألد أعدائها (روسيا – الصين - إيران) في حالة اضطراب دائم وتواجد عسكري غربي دائم, أما تنظيم (داعش) الإرهابي فكل الدلائل تشير إلى انه من صنيعتها ويشن حروبها, في منطقة تعد الأكثر سخونة وحيوية في العالم.

وأخيرا .. فان ما وضعه المفكرون الإستراتيجيون والمخططون العسكريون الأمريكان من استراتيجيات الحروب للقرن الواحد والعشرين كاستراتيجيات الجيل الرابع من الحروب والحروب اللامتكافئة والتكلفة الصفرية للحروب والحروب بالإنابة كلها تشير إلى إن التنظيمات الإرهابية هي الجيوش الخفية للولايات المتحدة, وفي ظل الغطرسة والهيمنة الأمريكية تبدو فكرة الحرب على الإرهاب هو آخر ما تفكر فيه الإدارة الأمريكية, وما هذه اللائحة إلا لتأشير العدو المحتمل وعقد التحالفات ثم شن الحروب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك