حلا الكناني
يُحكى ذات يوم عن بلدٍ من بلاد العرب له من الأوصاف ما لا يدانيه فيها احد، فأرض السواد، وأرض الرافدين، وأرض الانبياء، وموطن الحضارات، وأرض عليٌ والحسين، وغيرها كُثُر لايسعُ القلم أن يُحصيها عددا.
كان ذلك عراق الخير الذي فيه من الكنوز ما يغبطه بها الاولون، والآخرون، هواءه العذب، وسلسبيله الزلال المتدفق عشقا لأرضه، ونخيله الباسقات التي ما انحنت يوماً إلا لخالقها، وارضه الولود التي تهب الحياة كل لحظة،و جنائنه المعلقة التي تحاكى بها الزمان، وسحرت الأذهان، وجمالها البابلي الذي سلب القلوب من الأكنان، وقيثارته السومرية التي عزفت تاريخا بأجمل الألحان، وقصة حضارة اجتمعت حولها كل الحضارات.
لم يكن كل ذلك نسج من خيال، بل وقف الخيال حائرا في أوصاف بلادي التي أهدت للبشرية عنوانها، وخلّدت امجادها، فوهبتها القلم، وعلّمتها الكتابة، ومايسطرون.
مأمناً لكل خائف كان وطني، وحضنا دافئا كحضن الأمهات، ولطالما تحاكى الناس عن معنى العدالة، وأجمعوا امرهم ان لا وجود لها، وأن البشرية تعيش اوهامها، وفي بلد امير المؤمنين علي عليه السلام كان الامر مختلفا، كاختلاف الليل، والنهار، ففيه خُلقت العدالة، وفي كنفه ترعرعت، وارتسمت كل معانيها في أزارٍ نزع عنه كِبر الدنيا، وغرورها، وصار موئلا لكل بسمة بريئة غادرت الشفاه، وكأنه سفينة مثقلة بما حملت وتقول هل من مزيد.
كان ذلك علي قطعة من نور أضاءت الدنيا قسطاً وعدلاً، تتصارع فيه الخصال والأوصاف، فتقف إحداهنّ عاجزة عن الأخرى، فكلّهن لعليّ، وعليٌ كلّه عدالة حتى في صفاته.
سرعان ما تلاشت احلام العصافير كريشة تقاذفتها الريح من كل مكان، واستقرت بها في ارض مقفرة، لا يوجد فيها سوى إبليس ومن تبعه من الشياطين، الذين اعدّوا العّدة ليُطفئوا ذلك النور الربانيّ، الذي يخشون توهجه، فخرجوا من أجداثهم ملعونين بثياب الخيبة، وانتشروا شر انتشار، واجمعوا امرهم ان يقتلن احلام اليتامى مصبحين، فكمنوا للمولى عليّ بضربة أضاعت معها الإنسانية جمعاء.
تلاشت الاحلام ،والعدالة، والصدق، والأمانة،والرحمة، والمحبة، وكل واوٍ يمكنها أن تعطف مزيداً من الصفات على معطوفها، ولن تنتهي الواو العاطفة تلك إلا بانتهاء ألم فقد امير المؤمنين عليه السلام الذي لا انقضاء له ولا أمد.
منذ ذلك الحين ضاع وطني، وصار أشباهُ وطن، صار حلماً اودعناه على جناح طيرٍ ليس له من سبيل،وغنيمةً انقضّت عليها غربان الشرّ، وما ابقت فيها إلا قليل، وقصيدةً هجرتها القوافي، وآثرت الرحيل، فغابت شمس الارامل و الثكالى بلا اثر، ولا دليل.
ربوة رابية كان العراق، و بعد عليّاً غدا جنة خاوية، وتاهت منه الحروف عن اصل معناها، فالعين عيون وينابيع اختفت،والراءُ ربيع ارتحل، والألف أُلفة ووحدة صارت شتاتاً وفِرقة، ولم يتبق من حروفه سوى القاف فقلّة بعد كثرة، وقسمةٌ ضيزى بعد عدالة، وقهرٌ وظلم لايعرف مداهُ إلا الله.
............................
https://telegram.me/buratha
