أحمد كامل
بعد سنوات عجاف دامت لأكثر من عقدين ، هاهو نهر دجلة الخالد يستعيد هيبته وتتلاطم امواجه على اكتافه ويعلو هديرهُ مدوياً ، وكأنهُ ينادي بأعلى صوتهُ ، اني عدتُ لكم مستعيداً عافيتي ، نافضاً الترابَ من اكتافي ، عدتُ كما يستعيد المريض عافيتهُ بعد تماثله للشفاء ، وتعود معهُ طاقتهُ التي فقدها خلال سنوات الضمور والركود .
مرتْ سنوات طوال امتدت لأكثر من عشرين سنة ونهر دجلة يعاني المآسي وبدأت مياههُ بالشحةِ سنة بعد اخرى ، حتى استهزأ به الصغيرَ قبل الكبير عندما عبروه سيراً على الاقدامِ خلال احد فصول الصيف الماضية ، والتي احدثت تلك المشاهد الالم الكثير عند الناس خصوصاً من تربطهم علاقة وطيدة مع نهر دجلة .
ترادفت الازمات على دجلة عندما ابتدئتها الجارة تركيا ببناء السدود عند منابع دجلة لتقلل مياه النهر وبنسبة كبيرة جداً ، حتى وصلت الى نصفِ الكمية او اقل بقليل عما كانت عليه سابقاً.
فكانت تلك الضربة الاولى للزراعة العراقية عندما اجبر الفلاح على تقليل نسبة زراعة ارضه الى نسبٍ كبيرة،( وزاد الطين بلة) عندما تزامن مع بناء السدود شحة متواصلة بهطول الامطار .
وتتفاقم الازمة عندما تصاب الجارة ايران بقلة الامطار وتقوم هي الاخرى بقطع منابع الروافد للحفاظ على مياهها قدر الامكان ، تتزايد الازمة شيئاً فشيئاً لتصل ذروتها عندما وصلت شحة المياه الى حدِ العطش خلال فصل الصيف المنصرم ، حيث تعالت نداءات الاستغاثة من اهل البصرة بعدم توفر مياه الشرب على اثر هيجان مياه الخليج وصعوده فوق اكتاف شط العرب ليحوله الى مياه مالحة ( لايصلح حتى للاغتسال )، وصلتْ النداءات لكل انحاء العراق وهب بها البعيد قبل القريب بأيصال مياه الشرب لارواء عطش البصرة ، وكانت نخوة الشعب العراقي وكالعادة في اوج قوتها ، لكن ظل الخوف يسكن اهل البصرة من مستقبلهم، وحملوا الحكومات المتعاقبة بعدم وضع الحلول الناجعة لازمات المياه في البصرة.
وسرعان ما تأتي الرحمة الالهية ويتقدم الغوث فارشاً جناحيه ليس على العراق فحسب ،بل على الشرق الاوسط بأكمله ،لكن كانت حصة العراق وايران هي الاكبر في نسب تساقط الامطار ، والتي وصلت الى حدود كبيرة جداً، وسط ذهول خبراء الانواء الجوية بكميات الرطوبة والامطار والمنخفضات التي وردت الى المنطقة .
تساقطت الامطار بكثافة وزادت المياه في الانهار والجداول ، لكن المطر لم يتوقف! وصلت حد السيول والتي ضربت المدن في ايران مخلفة وراءها العشرات من الضحايا ، مُلئتْ الاهوار بكامل طاقاتها ولاول مرة منذ الثمانينات ، وامتلئت معها السدود ووصلت المياه فيها الى حدود لم تصل لها منذ الخمسينات من القرن الماضي ، وزيادة على ذلك فأن عذوبة مياه شط العرب وصلت الى نسبة 98% ولاول مرة في تأريخها .
نقول: ان تلك المياه الوفيرة والتي جاءت برحمة الهية خلال ايام قلائل ، وتلك الامطار التي حسنت كثيراً من نوعية وكميات المياه في العراق ، هل ستكون الحكومة على قدرِ المسؤولية واخراج العراق من ازمات المياه للسنوات القادمة ؟
عبرَ الخزن ووضع الخطط العاجلة في بناء السدود المتعددة فضلا عن انشاء البحيرات الاصطناعية . وهل هناك من يستطيع ان يضع بصماته على خارطة العراق ؟؟؟
https://telegram.me/buratha
