د ابراهيم محمد بحر العلوم
في صيف العام الماضي وتحديدا ٢٧ تموز ٢٠١٨ وعلى خلفية احتجاجات البصرة، جاء تسونامي النجف في خطبة الجمعة لينزع فتيل الازمة ويرسم للساسة العراقيين خارطة طريق توضح فيها الخروج من مأزق المحاصصة المقيتة باختيار رئيس وزراء قوي وحازم ويمنح الحرية باختيار وزرائه على اسس الكفاءة والنزاهة وتكون الحكومة مسؤولة عن الدفاع عن ادائها امام مجلس النواب، وشخصت المرجعية الدينية العليا مواضع الخلل الرئيسية في العملية السياسية ومن ابرزها تعديل النظام الانتخابي وضمان استقلالية مفوضية الانتخابات.
جاء تسونامي النجف الثاني في خطبة الجمعة الماضية، بمناسبة ذكرى صدور فتوى الجهاد الكفائي التي كانت الشرارة في تعبئة العراقيين في مواجهة داعش واندحاره، لتؤكد المرجعية ثانية فشل الحكومة والقوى السياسية في معالجة الاخطاء التي اشارت اليها في العام الماضي، حيث استمر تكالب القوى بشراسة على السلطة وادى الى العجز في استكمال الكابينة الوزارية بسبب المحاصصة السياسية المقيتة. اضافة الى عدم التصدي الجاد لمكافحة الفساد الذي يستشري في مفاصل الدولة وعدم تحسن اداء الحكومة في تقديم الخدمات الى الشعب. وحذرت بشدة الى تداعي الاوضاع الامنية في البلد وخاصة في المحافظات المحررة في حال استمرار تعاطي السياسيين مع التحديات بنفس النهج، وانذرتهم الى احتمالات عودة الارهاب.
وما بين الخطبتين يتضح جلياً ان القوى السياسية بقديمها وجديدها اثبتت فشلها في اتخاذ خطوات باتجاه بناء الدولة بل رسخت بقوة هوسها بالسلطة وتشبثها بالامتيازات غير عابئة بمصلحة الوطن والمواطن، رافضة استبدال منهج المحاصصة المقيتة، مصممة على التغول في تثبيت ركائز الدولة العميقة لادارة البلاد، دافعة لتعملق الفساد وانتشاره، مهمشة لكفاءات الوطن، مسيطرة على مقدرات البلد لمصالح بعيدة عن مصلحة العراق، معوقة لعملية الاصلاح والبناء، رافعة لراية الاستحواذ والحوسمة بحجة الاستحقاقات الانتخابية.
كان الامل معقوداً باختيار شخصية مستقلة لادارة البلاد تماشيا مع رغبة الشارع والمرجعية ليشكل بحد ذاته اختراقا لإرادة الاحزاب، ومؤسساً بذلك لمرحلة قد تفتح افقاً جديداً لإدارة البلد، وبوابة لتخليص مؤسسات الدولة من تغلغل القوى السياسية وفسح المجال امام الكفاءات الوطنية لتولي المواقع بمعايير المهنية والنزاهة. ولتتمكن الحكومة المسك بقوة لتصحيح المسارات واستثمار دعم الشارع والمرجعية. ان العودة الى المربعات القديمة وفسح المجال لهيمنة الأحزاب بالشكل الذي حدث ويحدث في تشكيل الحكومة الحالية او بالطريقة التي يتم فيها معالجة تقاسم الدرجات الخاصة لتسيير أمور البلاد، تضيع علينا فرصة تأريخية في بناء مسارات الدولة.
لقد اصبح جلياً ان مستقبل الوضع العراقي واستقراره وابعاد شبح الإرهاب الى الساحة ثانية مرتبطاً بشكل عضوي باداء الحكومة والقوى السياسية وخاصة في ظل ظروف خطرة التي تمر بها المنطقة، ان رسالة المرجعية الدينية كانت تتضمن رسائل للقوى السياسية في الداخل والدول ذات النفوذ في الواقع العراقي بضرورة الحفاظ على امن وسيادة العراق واستقلالية قراره السياسي وتمكين الحكومة من أداء واجباتها وتوجه القوى السياسية الى مراقبة أدائها ومحاسبتها وعدم الانخراط في مشاريع لا تجلب للعراق الا مزيداً من الخراب، ومع الأسف لم نلحظ من القوى السياسية العراقية التفاعل المطلوب مع مضامين الخطبة، حيث مازال الجمع منغمساً ومنشغلاً في توزيع المغانم والحصص.
يتطلع العراقيون الى القادة السياسيين استيعاب خطورة الأوضاع وان المرجعية قرعت جرس الإنذار للجميع بضرورة تغليب مصلحة الوطن على المصالح الاخرى، ولا مناص لتحقيق ذلك الا من خلال المضي لفصل المسارين التشريعي والتنفيذي والابتعاد عن سياسة المحاور لتفادي العواقب الوخيمة.
17 حزيران 2019
https://telegram.me/buratha
