المقالات

قانون تهجير الشروكية ..!


كاظم مجيد الحسيني

 

في صباح احد الايام من عام 1982 وقفت امام دارنا سيارة (حمل) ،فقامت امي (رحمها الله) بايقاضنا من النوم بصورة سريعة وبلهجة امر ، انهضوا انهضوا لتحميل اغراضنا بالسيارة ، فنهضنا فرحين لكي نستمتع بالركوب في حوض السيارة وهي تسير بنا في شوارع بغداد بالهواء الطلق الى مكان نجهله ، لكن لا يهم الى اين ذاهبين ، فليست المرة الأولى التي ننتقل بها من بيت الى اخر بسبب (الايجار)!

لكن هذه المرة اختلفت عن كل سابقاتها، حيث كانت تنقلاتنا بين فترة وأخرى بين أزقة وقطاعات مدينة (الثورة)، وألان السيارة تسير بنا في شوارع ومناطق لم نألفها ونراها سابقا، فكانت تلك التساؤلات تجول في داخلنا وتظهر على محيانا بنظرات صامتة متبادلة بيننا.

 إنشغالنا بفرحة السير في الهواء الطلق ونحن أطفال وصبايا تتراوح أعمارنا بين 6الى12 سنة،وأنظارنا تصبو الى رؤية بيتنا الجديد، وبين المرح ولذة النظر الى الاماكن التي نمر عليها بدأت ملامح المدن والشوارع تضمحل شيئا فشيئا، حتى فوجئنا بمناظر الاشجار والنخيل والحيوانات الأليفة والنهر والسواقي، فزدادت فرحتنا ودهشنا بشكل كبير وكأننا في حلم او في سفرة!

بين كل هذه المناظر والمشاعر، توهج في داخلنا الفضول لمعرفة أين نحن ولماذا جئنا الى هنا، وبينما نحن غارقين ومندهشين والابتسامة تملأ وجوهنا فإذا بالسيارة تقف امام بيتنا الجديد، الذي يقع وسط الأشجار وبجانب النهر وأمامنا مساحة خضراء كبيرة جدا تسرح وتمرح بها الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات الأليفة الأخرى.

بعد فترة من الزمن أدركنا أننا في قرية (هور رجب)التابعة لمدينة الدورة/ بالكرخ ، فكان ذلك اليوم هو تحول جذري في حياتنا وان لم نكن ندرك ذلك في حينها !

مرت الأيام سريعا ولم نشعر بها لصغر أعمارنا وعدم اداركنا الكامل للامور، وشيئا  فشيئا بدات مشاعر الحنين تبرز بفراق (الاقارب) الاقربون الذين كنا نعيش معهم في مدينة (الثورة) بعدما وجدنا أنفسنا امام امر واقع لا حيلة لنا بتغيره ولا مفر منه، وواجهنا ثقافة ولهجة تختلف عنا جدا، كان أهل القرية يطلقوا علينا تسمية الـ(الشروكية) فكنا نتضايق منها كثيرا ،ولكن لا نفهم معناها في حينها ، وكلما نسأل أبانا عنها يجيبنا بجواب بعيد عن الموضوع ويحاول تغيير الموضوع الى غيره،ت حسبا لأمور لا نفهم خطورتها وتداعياتها علينا.

مرت الأيام والسنين حتى جاء ذلك اليوم الأسود الذي تم فيه إبلاغ الـ (الشروكية) حصرا الساكنين في هور رجب بأخلاء منازلهم والرحيل عنها خلال أسبوعين، بأعتبارنا متجاوزين على الأراضي الزراعية بتحويلها الى سكنية خلافا للقانون، فكان هذا الباب والعنوان القانوني لجلاوزة البعث !

أما حقيقة الأمر..فكانت ضمن تقرير حزبي تم إعداده من قبل البعثيين في هور رجب بإدعائهم الى ان أعداد الـ(الشروكية) الآتين من محافظات الوسط والجنوب، تتزايد يوما بعد يوم ونحن نشكك بنواياهم ودوافعهم الحقيقية في النزوح الى مناطق حزام بغداد،وخصوصا قريتنا، فما كان من المجرم (علي حسن المجيد) الا توقيع الأمر بإزالة الدور السكنية خلال مدة اقصاه ا(اسبوعين ) بدون اي تعويض، فطبق هذا القرار على العوائل (الشروكية) فقط من عام 1997م, علما أن سكان منطقة هور رجب هم من العشائر السنية، أسكنهم صدام فيها بعقود زراعية في تغيير ديموغرافي كبير أقتلع فيه الشيعة من مناطق سكنهم وأسكن بدلهم هذه العشائر..!

أصبحنا بدون مأوى ولا مستقبل في ظل ظروف حصار جائر لا نعرف ماذا نفعل وأين نذهب ونحن كنا اربعة إخوة في الخدمة العسكرية الإلزامية نخدم في جيش صدام، لكنن ذلك لم يشفع لنا أبدا..

فانهار أبي رحمه الله ولم تهن عليه الكارثة فقرر ترك العراق والهجرة الى  جمهورية إيران الإسلامية لحفظ ماء ووجه بين الأصدقاء والأقارب في ما تبقى من عمره ، فاتفقنا معه على ترك العراق، ونحن سوف نلحق بك في اقرب وقت، وهكذا فعلنا..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك