عادل الموسوي ||
العمل بالنسبة للرجل مهم جدا لحفظ الكرامة والمكانة.. ومن دون العمل، يكون ذليلا تحسب عليه انفاسه، لا ياكل هنيئا ولا ينام مرتاحا، ولا يقضي اوقات فراغه -وكلها فارغة- دون نظرات حانقة.. يفني علاته بتبريراته.. لا عمل حتى يختار المناسب منه.
· انتهت الدراسة وانتهت معها الحجج
ربما حاول الرسوب لتمديد امد التخرج الى ابعد مدة ممكنة وكأنه يساق بعد التخرج الى مركز التدريب.. الان هو مطالب بالبحث عن وظيفة المفترض انها قريبة من دراسته التي تخرج منها، والتي غالبا ما اقترن القبول فيها بمعدله في الدراسة الاعدادية.
جيوشا من الطلبة تدخل وجيوشا تغادر.. لا ادري ان كانت المدخلات والمخرجات لتلبية مدخلات سوق العمل.. والاقرب انها فوضوية.. وان تاسيس الكثير من تلك الكليات لم يكن بجدوى مدروسة.
الخريج يطالب بالتوظيف.. والتوظيف هي الثقافة العامة لدى المجتمع، ففي الوظيفة يضمن الراتب نهاية الشهر، والتقاعد اخر المطاف.
كنت اظن ان بعض الوظائف مضمونة، لكن يبدو ان بعض المؤسسات الحكومية استغنت وانتفت حاجتها الى اختصاصات لم يكن بالحسبان ان يهمل التوظيف فيها كطب الأسنان والصيدلة مثلا..
ومن الغريب جدا ان تتوقف اوامر تعيينات خرجي معاهد النفط لدفعات بعض السنوات الماضية!!
ويبدو ان من لم تكن له رغبة بالدراسة وتركها بعد الابتدائية او المتوسطة اوفر حظا في الحصول على العمل المناسب، لانه شق طريقه في البحث مبكرا، وكانت له فسحة من الوقت ليست حرجة كما هو الحال في الخريج، وربما التحق بمهنة ورثها عن ابائه واجداده، او التحق بعمل يناسب شهادته فالاعمال العامة التي لا تحتاج الى مهارة فائقة او تخصص عال تكون فرصتها اكبر.
الخريج يأنف العمل بما دون ما يناسب شهادته.. لذا ترى الكثير يندب حظه ويلعن المجتمع.. فهو خريج تلك الكلية الراقية وصاحب الاختصاص المرموق، ومع ذلك هو يعمل عملا متواضعا.
تتفاوت الاعمال من حيث الشرف والمكانة الاجتماعية: فبعضها مرموق واخر متواضع، فمن عامل الخدمة الى رئيس الدولة، وما بينهما اعمال ووظائف تلبي حاجة المجتمع، ولكل منها رزق يفرق عن غيره لحكمة بينة، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}..
المواعظ والحكم لا تجدي لمن لا يجد قوت يومه..
ولا ادعي ان البطالة هي تقدير من الله، بل ان جزءً كبيراً من اسبابها يرجع الى سوء ادارة الدولة وسياستها المالية المتأثرة بعوامل كثيرة خفية.
ان من شروط "البنك الدولي" مثلا ايقاف التعيينات او التقليل منها، ورفع اليد عن دعم البطاقة التموينية، وتقليل تخصيصات مشاريع الكهرباء، ورفع اسعار الوقود.
ان القبول بهذه السياسات المفروضة يرجع إلى طلب الاقتراض من "البنك" وهو يرجع إلى قلة الواردات او بالاحرى الى تبديد الواردات بكل اشكال الفساد.
ليس للخريجين بد للتعبير عن معاناتهم بغير التظاهرات التي لم تقابل الا بوعود الحكومة التي قطعت وعودا -ملزمة- اخرى لذلك "البنك"..
ولعله من المعيب على القوى الممسكة بزمام السلطة ان تقوم تظاهرات لخريجي معاهد النفط لتوقف اوامر تعيناتهم..
ربما تنتفي الحاجة الى العمالة العراقية لرخص العمالة الاجنبية، او لانفة العراقيين من اعمال الخدمة، لكن لِمَ تنتفي او تقل الحاجة الى العاملين في المجال النفطي، في حين ان الشركات النفطية تعمل بكوادر اجنبية وبرواتب عالية.
ان ظاهرة استقدام العمالة الاجنبية وخصوصا "البنغالية" يثير حساسية العراقيين، فبالوقت الذي لا يجد الشاب العراقي فرصة للعمل، يعتبر ان "البنغالي" ينافسه في رزقه.
تذكرنا هذه المسألة باستقدام الملايين من المصريين للعمل في العراق ابان الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات بعد ان خلت سوق العمل من العراقيين.. لكن الساحة اليوم تغص بإعداد كبيرة من العاطلين.
يقول البعض: ان الاجور التي يتقاضاها "البنغاليون" زهيدة لا يمكن للعراقيين القبول بها، وانهم يعملون بجد لساعات طويلة، وليس لهم التزامات عائلية تمنعهم من العمل او طلب الاجازات، وان اغلب الاعمال التي يقومون بها هي خدمية، يأنف العراقيون مزاولتها، وان اعداد العمالة الاجنبية لا تشكل ما يوازي اعداد العراقيين العاطلين عن العمل.
· من المسؤول عن ادخال العمالة الاجنبية؟
استقدمت القوات الامريكية في فترة تواجدها في العراق -بواسطة شركات التشغيل-العمالة الاجنبية ومنها "البنغالیة" للعمل في القواعد الامريكية، ثم تركتهم لتقلص النشاط فوصلوا للعمل لدى العراقيين.
استمرت شركات التوظيف بالتعاقد مع العمالة الاجنبية واستقدامها الى العراق كنوع من التجارة، والمفترض ان يدخل هؤلاء بعقود عمل، الا ان الكثير منهم يدخل بصورة غير شرعية كسائح ويبقى متخفيا بعد انتهاء مدة الاقامة، فضلا عن ان الكثير من مكاتب التوظيف وهمية غير مسجلة، والكثير منها تحت رعاية بعض الاحزاب المتنفذة..
القضية اذن تدر اموالا.. فهل من الممكن التخلي عن هذه التجارة المربحة؟!
· هل مع او ضد استقدام العمالة الاجنبية؟
العمالة الاجنبية في البلد ان لم تكن ضارة فهي مبرر للشباب العراقي بقلة فرص العمل لوجود المنافسة.
كما ان العمالة الاجنبية لو لم تحصل على الاستفادة العالية لما قدمت، وان تلك الاستفادة حتما ستكون على حساب البلد وابناء البلد لما يخرج منه من العملة بـ"الدولار" ولما يترتب عليه من منافسة، ناهيك عن المخاوف الامنية، وقضايا الاحتيال والاتجار بالبشر، واثار تواجد العزاب لسنوات في بلاد الغربة.
"بدل ما تگللها كش اكسر رجلها"
ان قطع دابر المسالة يكمن بعدم السماح بدخول العمالة الاجنبية لا بعقود عمل ولا بتأشيرة سياحة، سيضطر ارباب العمل على زيادة الاجور للعراقيين، ترغيبا في العمل المتواضع الذي يدعي البعض بان العراقيين يأنفونه.
ان الفقير مضطر للعمل المتواضع وبالاجر الزهيد لسد احتياجاته، ومن لا يرضى بذلك فهو المتكاسل المتواكل، ولتحصيل الرزق لابد من السعي الجاد..
على الشاب الطالب ان يحسن اختيار نوع الدراسة التي تضمن له الوظيفة، كما ان عليه ان لا يعول على وظيفة الدولة كثيرا، وان لا يعيش دور المظلومية.
لست مع قطع ارزاق العمالة الوافدة فأرض الله واسعة.. ولكن الاولوية لابد ان تكون لابناء البلد ولسنا ملزمين بحل المشاكل الاقتصادية والمعاشية لشعوب العالم، وليست القضية شخصية حتى نؤثر على أنفسنا ولو كان بنا خصاصة.
· من زاوية أخرى
ان سوء ادارة الدولة وسياستها المالية المتخبطة او المقصودة، نرجو ان لا تصل بالبلد وأبنائه الى ما وصلت اليه بعض البلدان وأعلنت افلاسها.
ونأمل ان يكون هناك اصلاح حقيقي ومصلحون حقيقيون قادرين على انقاذ البلد من ماساته ومعاناته.
نامل ان يطلع القادة والمختصون على التجربة "البنغالية" عسى ان تفتح لهم افاقا نحو اصلاحات اقتصادية حقيقية، إذ ان "بنغلادش" اصبحت من قصص النجاح المثيرة وغير المتوقعة في الجانب الاقتصادي.
رئيسة وزراء "بنغلاديش" الشيخة حسينة في خطابها امام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "بنغلاديش من بين أسرع (٥) اقتصادات نموا في العالم"، "نحتل المرتبة ٤١ من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وعلى مدى العقد الماضي قمنا بتخفيض معدل الفقر من ٣١،٥ ٪ في المئة إلى ٢٠،٥ ٪ ، كما قفز دخل الفرد لدينا إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في عقد واحد فقط.. ووصل احتياطي العملات الأجنبية لدينا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.. وحققت بنغلاديش تقدما مذهلا في المجال الاجتماعي والاقتصادي.. أما بالنسبة لدرجة مؤشر أهداف التنمية المستدامة، فقد حدد تقرير التنمية المستدامة لعام ٢٠٢١، أن بنغلاديش حققت أكبر تقدم منذ عام ٢٠١٥"، وفي مقال لها: "إضافة إلى الاكتفاء الذاتي، نحن الآن رابع أكبر منتج للأرز، وثاني أكبر منتج لنبتة الجوت، ورابع أكبر منتج للمانغو، وخامس أكبر منتج للخضروات، ورابع أكبر منتج من مصايد السمك الداخلية".
من المعيب ان اعني الاستفادة من الخبرة الاقتصادية في التجربة "البنغالیة"، فالطاقات الفكرية الاقتصادية العراقية لا يشق لها غبار، وانما عنيت الاستفادة من تجربة الاخلاص وتقديم المصلحة الوطنية.
ألواح طينية ، عادل الموسوي، الخبرة الاقتصادية
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha