الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
برهان الإن لا ينحصر فيما يسلك فيه من المعلول إلى العلة بمعنى السير القهقري من الثاني للأول، فهذا المسلك لا يفيد اليقين كما قال المناطقة، ولكن ربما يسلك فيه من بعض اللوازم العامة التي للموجودات المطلقة إلى بعض آخر وهو يفيد اليقين، كما بينه الشيخ أيمن المصري في كتاب البرهان من منطق الشفاء... ومهما يكن من أمر فإن البرهان الإني ليس هو البرهان الوحيد المستعمل في علم الكلام، بل استعمل ايضا الدليل اللمي وهو الاستدلال بالعلة على المعلول، كون العلة أكثر وضوحاً وأقوى وجوداً ودلالة من المعلول وفقاً لأمثلة عدّة لا مجال لذكرها ، ولكن الأهم هو بيان السبب الذي صار لأجله البرهان اللمي أكثر استعمالاً في الكتب الكلامية وهو سهولة مأخذه وشيوعه مقارنة بالأول فالاستدلال عند أكثر الناس يكون بلحاظ العلم بالمعلولات والانتقال منها الى العلم بالعلل، باعتبار أن العلل بالرغم من كونها هي المؤثرة في وجود المعلول ولكن لا يكاد يلتفت إليها عادة بسبب الإلف والأنس بالمعلولات على العكس من عدم الاستئناس بالآخر، فتكون بعض المعلولات وصفاتها سببا للعلم بالعلة... فالخلل إنما هو في القابل لا في الفاعل، أي ليس ذلك بسبب ضعف وجود العلة وإنما بسبب قصور القابل المستدل، إذ أن العلة قطعا اقوى وأولى وجودا من وجود معلولها وهذا لا خلاف فيه وفق الاستدلال المنطقي ( التابع والمتبوع ـ الأولي والثانوي )... ولذلك فإن أصحاب البصائر يرون الأمور بغير هذا الشكل ويسلكون في الاستدلال غير هذا المسلك الإني، حيث يلتفتون إلى العلل قبل المعلولات ويستدلون بوجودها وصفاتها على وجود المعلولات وصفاتها، فيرونها بحسب الحقيقة أظهر من المعلولات... ويدل على هذا النمط من الاستدلال (البرهان اللمي) اي جعل العلم بالعلة دليلا على العلم بالمعوّل ونذكر مثالاً واحداً للإيضاح مما ذكره الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة مشيراً إلى أن المسلك الإني في الاستدلال إنما هو لأجل نقص في التفات وتوجه المستدل... قال صلوات الله عليه: ((كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ لايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج غلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك....))
الواح طينية، الدكتور علي زناد كلش البيضاني، التابع والمتبوع
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha