كاظم الخطيب ||
العقل نعمة من نعم الله سبحانه جل وعلا.. بل هو سيد النعم، فهو المتصرف المطلق في صفة النعم الأخرى وكينونتها، من قبيل النافع والضار، والمهم والأهم والأكثر أهمية، والضروري والاستثنائي منها.
إن إستعمال النعم وإستثمار فوائدها، وتحصيل النافع من عوائدها،هي مهمة حصرية للعقل الذي يقوم بإتخاذ القرارات وتحديد الأولويات، ورسم الحدود المقاربة للنتائج المتوقعة من ذلك الإستثمار.
بيد أن هناك إستثمارات – ذهنية - عشوائية، وإستعمالات عبثية، وقرارات فوضوية، تتميز عن الإستثمار الواقعي والمدروس من قبل العقل لتلك النعم بميزة الصفة السلبية مقابل إيجابية واضحة لذلك الإستثمار المدروس.
إن الفيصل في الحكم على نتائج تلك الإستثمارات، من جهة دراسة وتصويب عملية إتخاذ القرار..هي المعطيات التي توفرت لكليهما، ولكن بفارقِ طريقة وآلية كل منهما في التعاطي مع هذه المعطيات ومعالجتها من خلال إنتقاء النافع أو تحييد ما لا يخدم أو يضر بنتائج عملية إتخاذ القرار.
وخلاصة ذلك منوطة بعملية الحكم على المعطيات التي هي خلاصة التقصي ومادة البحث.
الحكم هو خلاصة الفهم، بغض النظر عن أن يكون ذلك الفهم عن صواب أو خطأ، فالمهم هنا هو العقل، الذي أصدر ذلك الحكم بناءً على المعطيات التي توفرت له، ولكن الملاحظ هو إختلاف الأحكام بين عقل وأخر، برغم وحدة المعطيات التي توفرت لكليهما، والسبب يعود هنا الى مستويات الفهم والإدراك التي يتميز بهما أحدهما على الأخر.
وهنا لا بَدَ ولا مناص- مطلقاً - من حاجة العقل الراجح إلى تنقية المعلومات الواردة من جهة، وتهذيب الألفاظ الصادرة من جهة أخرى، والحرص على الحيادية وعدم التأثر بالمشاعر الخاصة، من خلال غربلة واردها، وملاحقة شاردها -المعلومات- للحكم على الأشياء بطريقة ، عادلة، راشدة، واعية وحكيمة.
إن جل ما نعانيه اليوم هو غياب حالة البحث، وإنعدام الدقة والشفافية، والقابلية على إستيعاب الطرح الآخر وإن كان منطقياً، لتكون قراراتنا وأحكامنا فورية سطحية، عفوية وغير دقيقة، قد تنتهي-غالباً - بظلم الطرف الآخر والإساءة إليه، أو التقليل من شأنه، لا لشيء،.. سوى أننا لا نتفق معه ، أو أنه لا يتفق معنا في بعض المواقف.
غرابيل العقول هي لازمة حتمية لكل ذي قول سديد، ورأي رشيد، وسلوك عادل حميد، فهي المسؤولة عن تلك النتائج، من قول ورأي وسلوك، من خلال توجيه مدارك الأفهام إلى إنتقاء المعلومة الأكيدة، والفكرة السديدة، والإستغناء عن كل معلومة شائبة، وتحييد كل لفظة عائبة، والتصريح بما يلائم المتوخى من منطقية الحكم، ودلالة المعطيات، وحتمية الحقائق.
ما نراه اليوم في مجتمعاتنا وخصوصاً على مواقع التواصل، هو إن السواد الأعظم من الناس، هم مصداق واضح جلي لوصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام - همج رعاع ينعقون وراء كل ناعق.
(كوبي بيست) نشر، مشاركة، سب، شتم، تكفير,هتك، قذف، وما إلى ذك من الأفعال الشاذة، والممارسات الهدامة، التي أصبحت ممارساة يومية لا دخل للفهم والإدراك فيها مطلقاً، وكأن العقول قد غيبت، ونحيت جانباً، وقد أستعاض أصحابها عنها بعقول غيرهم ليسترشدوا بمجونها، وليهتدوا بضلالها، برغم وجود الناصح الأمين، والواعظ المكين.
ديمقراطية رعاع همج، وفكر فارغ سمج، وهفوات متجددة وقناعات مستوردة, وقرارات خائبة كسيرة، وسيادة مرهونة أسيرة، تلك هي اليوم واجهة البلاد السياسية ووجهتها المجتمعية، وصبغتها الفكرية،إلا ما رحم ربي ممن سلكوا سبيل النجاة، وإهتدوا بسراج المرشدين الهداة.
بالأفهام تعالج الأمور، وبالأقلام تكتب السطور، فلا بأفهام عولجت أمورنا، ولا بأقلام كتبت سطورنا، فدستورنا كتبته ثلة جاهلة، وتصدت لتطبيقه عصبة سافلة، و سطورنا كتبتها طغمة له غائلة، بعثية عبثية متسافلة.
والشعب بين ترادف لاهٍ لتصفيق، وترديد جاهلٍ لنعيق، وتظاهر وقطع طريق، وتعطيل وإضرام حريق، غارقا في دوامة جهله، فاقداً لغرابيل عقله، ينهم التلقين نهما، ولا يتبعه إدراكاً ولا فهما، يريدُ وطناً وقد أعان بالمعاول عليه هدماً.
https://telegram.me/buratha