العلامة الشيخ محمد رضا الساعدي
مُقَدمَة:
من المفاهيم الأخلاقية التي لها الاثر الأكبر في مسار الإنسان الأخلاقي وسيره إلى الله تعالى والتي تنمُّ عن تربية روحية عالية هو التحلي بصفة الإيثار في التعامل العام مع البشرية بل مع المخلوقات ككل.
إنَّ هذه الصفة العظيمة تكشف عن ملكات أخلاقية كامنة في ذات الإنسان أهَّلته أن يكون مقدماً غيره على نفسه, ومتخيراً ما هو أصعب وأحزم كي يأخذ غيره ما هو أسهل وألين, ومتخذاً ذلك وسيلة للتقرب إلى الله تعالى, فهو من نفسه في تعب والناس منه في راحة.
وهذه الصفة الحميدة نابعة من مجموعة فضائل ولاغية لمجموعة رذائل, فهي نابعة من فضيلة الشجاعة والتواضع والعفاف والسخاء والأُلفة والمحبة وغيرها, ولاغية لرذيلة الجبن والتكبر والشهوة والبخل والانفراد والبغض وغيرها.
فلو لم يكن المُؤْثِر شجاعاً لما آثر غيره عليه, ولو لم يكن متواضعاً لما قدَّم غيره على نفسه, ولو لم يكن سخياً لما فضَّل غيره عليه وهكذا باقي الصفات.
وعلماء النفس الاجتماعي يرون أن هذه الصفة من أعظم صفات الإنسان فهي سلوك اجتماعي إيجابي يهدف إلى رعاية الآخرين ورفاهيتهم بلا ملاحظة منفعة شخصية.
وفي هذا البحث نقف إجمالاً على مفهوم الإيثار في النظام الأخلاقي لغة وكتاباً وسنة وما هي آثاره ومعطياته, ونطبق ذلك على ما قام به سيدنا العباسQ من إيثار في واقعة الطف حيث مارسه في أحنك الظروف وأشدها وأضراها , بعد أن سدَّ العدو جميع الطرق على الإمام الحسين وآله وأصحابهK وبلغت القلوب الحناجر, فبرز الموقف الحقيقي والمعدن الأصيل والعنصر الطاهر الذي كان عليه العباس بن عليL, فآثر بنفسه وفداها ــ والجود بالنفس أعظم غاية الجود ــ فاستحق بذلك صفة أبي الفضل, وجاد بالجود ولم يشرب الماء ــ مع شدة عطشه ــ حتى كان رمزاً للجود.
https://telegram.me/buratha